فصل: باب الاختلاف في الشهادة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الاختلاف في الشهادة

قال في المصباح خالفته مخالفة وخلافا وتخالف القوم واختلفوا إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر ا هـ‏.‏ واختلاف الشهادة شامل لمخالفتها للدعوى ولاختلاف الشاهدين ولاختلاف الطائفتين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ الشهادة إن وافقت الدعوى قبلت وإلا فلا‏)‏ لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة فقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها والمراد بالموافقة المطابقة أو كون المشهود به أقل من المدعى به بخلاف ما إذا كان كذا في فتح القدير وأطلق الموافقة ولم يقيدها باللفظ والمعنى كما في الموافقة بين الشاهدين ليفيد عدم الاشتراط وأن الموافقة معنى كافية فلو ادعى الغصب أو القتل فشهدا بإقرار المدعى عليه بذلك تقبل ولو شهد واحد منهما بالغصب أو القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل كذا ذكر الشارح ومن المخالفة المانعة ما إذا شهدت بأكثر ومن فروعها دار في يد رجلين اقتسماها وغاب أحدهما فادعى رجل على الحاضر أن له نصف هذه الدار مشاعا فشهدوا أن له النصف الذي في يد الحاضر فهي باطلة لأنها بأكثر من المدعى به ولو ادعى دارا واستثنى طريق الدخول وحقوقها ومرافقها فشهدوا أنها له ولم يستثنوا شيئا لا تقبل‏.‏ وكذا لو استثنى بيتا ولم يستثنوه إلا إذا وفق فقال‏:‏ كنت بعت ذلك البيت منها فتقبل كذا في فتح القدير ومن أمثلة كون المشهود به أقل ما في الخلاصة ادعى النقرة الجيدة وبين الوزن فشهدوا على النقرة والوزن ولم يذكرا جيدة أو رديئة أو وسطا تقبل ويقضى بالرديء بخلاف ما إذا ادعى قفيز دقيق مع النخالة فشهدوا من غير نخالة أو منخولا فشهدوا على غير المنخول لا تقبل ا هـ‏.‏ مع أنهم شهدوا بأقل فيما إذا شهدوا به غير منخول والدعوى بالمنخول بدليل عكسه وفي جامع الفصولين ادعى الإتلاف وشهدا بقبضه تقبل ولو ادعى أنه قبض مني كذا درهما بغير حق وشهدا أنه قبضه بجهة الربا تقبل ولو ادعى الغصب وشهدا بقبضه بجهة الربا لا تقبل إذ الغصب قبض بلا إذن والقبض بجهة الربا قبض بإذن ولو ادعى أنه غصب منه وشهدا أنه ملك المدعي وفي يده بغير حق لا تقبل لا على الملك لأنهما لم يقولا غصبه منه ولا على الغصب لأنهما شهدا أنه بيده بغير حق ويجوز أن يكون بيده بغير حق لا من جهة المدعي بأن غصبه من غير المدعي لا منه ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ ادعى أنه قبض من مالي كذا قبضا موجبا للرد وشهدا أنه قبضه ولم يشهدا أنه قبض قبضا موجبا للرد تقبل في أصل القبض فيجب رده ولو شهدا أنه أقر بقبضه ينبغي أن تقبل قياسا على الغصب ادعى أنه أهلك أقمشتي كذا وعليه قيمتها وشهد أنه باع وسلم لفلان يقبل لأنه إهلاك ولو ذكرا بيعا لا تسليما لا يكون شهادة بإهلاك ثم قال‏:‏ ادعى شراء منه فشهدا بشراء من وكيله ترد وكذا لو شهدا أن فلانا باع وهذا المدعى عليه أجاز بيعه ثم قال‏:‏ ادعى أن مولاي أعتقني وشهدا أنه حر ترد لأنه يدعي حرية عارضة وشهدا بحرية مطلقة فيصرف إلى حرية الأصل وهي زائدة على ما ادعاه وقيل‏:‏ تقبل لأنهما لما شهدا أنه حر شهدا بنفس الحرية قال‏:‏ والأمة لو ادعت أن فلانا أعتقني وشهدا أنها حرة تقبل إذ الدعوى ليست بشرط هنا فعلى هذا ينبغي أن يكون الخلاف المذكور في القن على قول أبي حنيفة أما على قولهما ينبغي أن يقبل في القن رواية واحدة كما في الأمة إذ الدعوى ليست بشرط في القن عندهما كالأمة ولو ادعى حرية الأصل وشهدا أن فلانا حرره قيل‏:‏ ترد وقيل‏:‏ تقبل لأنهما شهدا بأقل مما ادعاه ا هـ‏.‏ وبه علم أن المطابقة بين الدعوى والشهادة إنما هي شرط فيما إذا كانت الدعوى فيه شرطا وإلا فلا ولذا لو ادعت الطلاق فشهدا بالخلع تقبل كما سيأتي‏.‏ والحاصل أنهم إذا شهدوا بأقل مما ادعى تقبل بلا توفيق وإن كان بأكثر لم تقبل إلا إذا وفق فلو ادعى ألفا فشهدا بألف وخمسمائة فقال المدعي‏:‏ كان لي عليه ألف وخمسمائة إلا أني أبرأته من خمسمائة أو قال‏:‏ استوفيت منه خمسمائة ولم يعلم به الشهود تقبل وكذا في الألف والألفين ولا يحتاج إلى إثبات التوفيق بالبينة لأن الشيء إنما يحتاج إلى إثباته بالبينة إذا كان سببا لا يتم بدونه ولا ينفرد بإثباته كما إذا ادعى الملك بالشراء فشهد الشهود بالهبة فإن ثمة يحتاج إلى إثباته بالبينة أما الإبراء فيتم به وحده ولو أقر بالاستيفاء يصح إقراره ولا يحتاج إلى إثباته لكن لا بد من دعوى التوفيق هنا استحسانا والقياس أن التوفيق إذا كان ممكنا يحمل عليه وإن لم يدع التوفيق تصحيحا للشهادة وصيانة لكلامه وجه الاستحسان أن المخالفة بين الدعوى والشهادة ثابتة صورة فإذا كان التوفيق مرادا تزول المخالفة وإن لم يكن التوفيق مرادا لا تزول بالشك فإذا ادعى التوفيق ثبت التوفيق وزالت المخالفة وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده أن محمدا شرط في بعض المواضع دعوى التوفيق ولم يشترط في البعض وذاك محمول على ما إذا ادعى التوفيق أو ذاك جواب القياس فلا بد من دعوى التوفيق فلو قال المدعي‏:‏ ما كان لي عليه إلا ألف درهم فقط لا تقبل شهادتهم كذا في الخانية ولا فرق في كون المشهود به أقل بين أن يكون في الدين أو في العين فلو ادعى كل الدار فشهدا بنصفها قضي بالنصف من غير توفيق كذا في الخانية‏.‏ وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن المدعي إذا أكذب شهوده في جميع ما شهدوا به له أو بعضه بطلت شهادتهم إما لأنه تفسيق للشاهد أو لأن الشهادة لا تقبل بدون الدعوى فلو شهد الشهود بدار لرجل فقالوا‏:‏ هذا البيت من هذه الدار لفلان رجل آخر غير المدعي فقال المدعي‏:‏ ليس هو لي فقد أكذب شهوده وإن قال هذا قبل القضاء لا يقضى له ولا لفلان بشيء فإن كان بعد القضاء فقال‏:‏ هذا البيت لم يكن لي إنما هو لفلان قال أبو يوسف‏:‏ أجزت إقراره لفلان وجعلت له البيت وأرد ما بقي من الدار على المقضي عليه ويضمن قيمة البيت للمشهود عليه ولأبي يوسف قول آخر أنه يضمن قيمة البيت للمشهود عليه ويكون ما بقي من الدار للمشهود له كذا في الخانية ثم اعلم أن المدعي إذا كذب شهوده إنما ترد شهادتهم إذا كذبهم فيما وقعت الدعوى به أما إذا صدقهم فيها وكذبهم في شيء زادوه فإنها تقبل له فيما ادعاه إن لم يدعه المدعى عليه وعلى هذا قال في الخانية‏:‏ شهد الرجل أن فلانا غصب عبده ولكنه قد رده عليه بعده فمات عند مولاه فقال‏:‏ المغصوب منه‏:‏ لم يرده علي وإنما مات عند الغاصب وقال‏:‏ المشهود عليه ما غصبته عبدا ولا رددته عليه وما كان من هذا من شيء قال‏:‏ إذا لم يدع شهادتهما ضمنته القيمة‏.‏ وكذا لو شهدا أنه غصبه عبدا له فجاء مولاه قتله عند الغاصب فقال‏:‏ المغصوب منه ما قتلته ولكنه قد غصبه ومات عنده وقال المشهود عليه‏:‏ ما غصبته عبدا ولا قتل هذا المدعي عبدا له في يدي كان عليه قيمته وكذا لو شهدا أن لهذا على هذا ألف درهم ولكنه قد أبرأه منها وقال المدعي‏:‏ ما أبرأته عن شيء وقال الشهود عليه‏:‏ ما كان له علي شيء ولا أبرأني عن شيء قال‏:‏ إذا لم يدع شهادتهما على البراءة قضيت عليه بالألف ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المدعي إذا تكلم بكلام يحتمل أن يكون تكذيبا فإن كان قبل القضاء لا يقضى له وإن كان بعده لم يبطل إلا أن يكون تكذيبا للشاهد قطعا فلو قضي له بالدار بالبينة فأقر أنها لرجل غير المقضي عليه لا حق للمدعي فيها وصدقه فلان أو كذبه لم يبطل القضاء لاحتمال النفي من الأصل واحتمال أنه ملكها إياه بعد القضاء وإن كان في مجلس القضاء فلا يبطل بالشك فلو قال بعد القضاء‏:‏ هي لفلان لم تكن لي قط فإن بدأ بالإقرار وثنى بالنفي أو عكسه فإن صدقه المقر له في الجميع بطل القضاء ويرد على المقضي عليه ولا شيء للمقر له وإن كذبه في النفي وصدقه في الإقرار كانت للمقر له وضمن المقر قيمة الدار للمقضي عليه سواء بدأ بالإقرار أو بالنفي كذا ذكر في الجامع قالوا‏:‏ هذا إذا بدأ بالنفي وثنى بالإقرار موصولا أما إن كان مفصولا لم يصح‏.‏ وتمامه في الخانية بخلاف المقر له إذا قال‏:‏ هي لفلان ما كان لي قط لأن ثمة لا منازع للثالث فيسلم له وهنا المقضي عليه ينازعه كذا في التلخيص وفي المحيط البرهاني قضي له بالدار ببنائها ببينة ثم قال‏:‏ ليس البناء لي وإنما هو للمدعى عليه بطل القضاء لأنه إكذاب للشاهد بخلاف ما إذا قال‏:‏ البناء له فليس بإكذاب هكذا في الأقضية وفرق بين ما إذا ذكروا البناء في شهادتهم فيكون إكذابا أولا فلا في شهادات الأصل وإذا ذكروه فلا فرق بين النفي والإثبات فقط في كونه تكذيبا ولو ادعى قدرا وبرهن عليه ثم أقر بقبض بعضه فإن أقر بما يدل على قبضه قبل الدعوى والبينة فهو تكذيب لشهوده وإلا فلا ولو ادعى أربعمائة درهم وقضي له ببينة ثم أقر أن للمدعى عليه مائة سقط عنه مائة اتفاقا وهل تسقط الثلاثمائة قولان كما في المحيط وغيره والفتوى على عدمه كما في الملتقط وفي المحيط شهدا له على رجل بألف وعلى آخر بمائة فصدقهم في الأول وكذبهم في الثاني بطلتا وكذا لو شهدا بغصب ثوبين فصدقهما في أحدهما وكذبهما في الآخر بطلت فيهما ولو قضي لثلاثة بميراث عن أبيهم ثم قال أحدهم‏:‏ ما لي فيه حق وإنما هو لأخوي كان الكل لهما فإن قال‏:‏ لم يكن لي فيه حق وإنما هو لهما بطلت حصته عن المقضي عليه ولو ادعى أنه أوصى له بألف درهم وبرهن عليه ثم ادعى أنه ابن الموصي ولم يبرهن فله الأقل من الميراث ومن الألف وقال محمد‏:‏ الوصية باطلة ولا شيء له‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية ادعى المديون الإيفاء فشهدا على إبراء الدائن أو على أنه حاله تقبل كما لو ادعى الغصب فشهدا بالإقرار به تقبل ادعى الكفيل بالأمر الإيفاء وشهدا على البراءة تقبل ووضع المسألة على الإيفاء ليعلم أن الإيفاء غير مقتصر عليه ولهذا لا يرجع الكفيل على الأصيل ويرجع الطالب على الأصيل كأنه إبراء الكفيل وإبراء الكفيل لا يوجب إبراء الأصيل وإنما ذكره ليؤذن أن المقضي به براءة الكفيل لا الإيفاء وهذا لأن دعوى الكفيل تتضمن البراءة مع تمكنه بالرجوع على الأصيل وشاهداه شهدا على القطع ببعض دعواه فيقبل في ذلك لا في الزائد ا هـ‏.‏ وفي السراجية ادعى عشرة آلاف درهم فشهدا له بمبلغ عشرة آلاف درهم لم تقبل لأن مبلغ هذا المال مال آخر شهدا على دعوى أرض أنها خمسة مكاييل وأصابا في بيان حدودها أو خطآ في المقدار قبلت ا هـ‏.‏ وفي العرف أن المبلغ هو القدر فإنهم يقولون‏:‏ قبض مبلغ كذا أي قدر كذا لا مال آخر فينبغي أن تقبل الشهادة في عرفنا وفي القنية ادعى المديون الإيصال إلى الدائن متفرقا وشهد شهوده بالإيصال مطلقا أو جملة لا تقبل ادعت على زوجها أنه وكل وكيلا فطلقني وشهدا أنه طلقها بنفسه يقع الطلاق ادعت الطلاق فشهدا بالخلع تسمع لأن وجه التوفيق ممكن ولو ادعى المديون الإبراء وشهدوا أن المدعي صالح المدعى عليه بمال معلوم تقبل شهادتهم إن كان الصلح بجنس الحق لحصول الإبراء عن البعض بالاستيفاء عن البعض بالإسقاط‏.‏ ولو ادعى عليه خمسة دنانير بوزن سمرقند فشهدوا فسألهم القاضي عن الوزن فقال بوزن مكة تقبل شهادتهم إن كان وزن مكة مثل وزن سمرقند أو أقل وإلا فلا ادعت أنها اشترت هذه الجارية من زوجها بمهرها وشهدوا أن زوجها أعطاها مهرها من غير أن يجري البيع بينهما تقبل ا هـ‏.‏ وبما قررناه علم أن المستثنى من قوله وإلا لا ثلاث عشرة مسألة وسيأتي قريبا ثمان أخر في الإقرار والإنشاء واثنان في المقيد بسبب والمطلق فصارت ثلاثا وعشرين فليتأمل ثم اعلم أن في الحقيقة لا استثناء لأن المخالفة المانعة أن يكون المشهود به أكثر ففي كل صورة قالوا بالمنع إنما هو لكونه أكثر من المدعى وفي كل موضع قالوا بالقبول مع صورة المخالفة فإنما هو لكون المشهود به أقل وكان كذلك في عتق الجارية وطلاق المرأة يعرف ذلك بالتأمل في كلامهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ادعى دارا إرثا أو شراء فشهدا بملك مطلق لغت‏)‏ أي لا تقبل البينة لأنهما شهدا بأكثر مما ادعاه المدعي لأنه ادعى ملكا حادثا وهما شهدا بملك قديم وهما مختلفان فإن الملك في المطلق يثبت من الأصل حتى يستحق المدعي بزوائده ولا كذلك في الملك الحادث وترجع الباعة بعضهم على بعض فصارا غيرين والتوفيق متعذر لأن الحادث لا يتصور أن يكون قديما ولا القديم حادثا وقد جعل المؤلف رحمه الله تعالى دعوى الإرث كدعوى الشراء والمشهور أنه كدعوى المطلق كذا في فتح القدير وجزم به في البزازية وقيد بالدار للاحتراز عن الدين لأن فيه اختلافا‏.‏ وفي فتح القدير لو ادعى الدين بسبب القرض فشهدا بملك مطلق لا تقبل وفي المحيط ما يدل على القبول وعندي الوجه القبول لأن أولية الدين لا معنى له بخلاف العين ولو ادعى عليه ألفا دينا فشهدا أنه دفع إليه ألفا ولا ندري بأي وجه دفع قيل‏:‏ لا تقبل والأشبه إلى الصواب أن تقبل كذا في البزازية وترك المؤلف رحمه الله شرطين في دعوى الشراء‏:‏ الأول أن يدعيه من رجل معروف بأن قال‏:‏ ملكي اشتريته من فلان وذكر شرائط المعرفة أما إذا قال‏:‏ ملكي اشتريته من رجل أو قال من محمد والشهود شهدوا على الملك المطلق تقبل كذا في الخلاصة الثاني أن لا يدعي القبض مع الشراء فإن ادعاهما فشهدوا على الملك المطلق تقبل كذا في الخلاصة وقيد بما يكون له أسباب متعددة للاحتراز عما إذا كان للملك سبب واحد فشهدوا بالمطلق تقبل كما لو ادعى أنها امرأته بسبب أنه تزوجها بكذا فشهدوا أنها منكوحته ولم يذكروا أنه تزوجها تقبل ويقضى بمهر المثل إذا كان بقدر المسمى أو أقل فإن زاد على المسمى لا يقضى بالزيادة كما في الخلاصة وأشار المؤلف إلى أن الملك المؤرخ أقوى منه بلا تاريخ فلو أرخ في دعوى الملك وأطلق شهوده لا تقبل وفي عكسه المختار القبول كما في الخلاصة ولو ادعى الشراء وأرخه فشهدوا له بلا تاريخ تقبل لأنه‏.‏ أقل وعلى القلب لا تقبل ولو كان للشراء شهران فأرخوا شهرا تقبل وعلى القلب لا تقبل كذا في فتح القدير وإلى أنه لو ادعاه بسبب فشهدا بسبب آخر كألف من ثمن مبيع فشهدا بألف من ثمن مغصوب هالك لا تقبل كما في الخلاصة هذا إذا اختلفا فيما هو المقصود فإن اتفقا فيه كدعوى ألف كفالة عن فلان فشهدا بألف كفالة عن آخر فإنها تقبل كما في الخلاصة أيضا إلا إذا قال الطالب‏:‏ لم يقر كذلك بل أقر أنها كفالة حالة فإنها لا تقبل لأنه أكذب شهوده كذا في البزازية وكما في أسباب ملك العين كما في البزازية أيضا قال‏:‏ والملك بسبب الهبة كالملك بالشراء وكذا كلما كان عقدا فهو حادث ا هـ‏.‏ فعلى هذا لو ادعى عينا بسبب شراء فشهد بأنها ملكه بالهبة تقبل وفيها أيضا لو وقعت المخالفة بين الدعوى والشهادة ثم أعادوا الدعوى والشهادة واتفقوا تقبل ا هـ‏.‏ وإلى أنه لو تحمل الشهادة على ملك بسبب وأراد أن يشهد بالمطلق فإنه لا يحل له وهو الأصح وعلله في فتح القدير بأن فيه إبطال حقه أيضا فإنها لا تقبل لو ادعاه بسبب‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبعكسه لا‏)‏ أي إذا ادعى ملكا مطلقا فشهدا بملك بسبب معين لا تكون لغوا فتقبل لأنهم شهدوا بأقل مما ادعى وهو غير مانع أطلقه وقيده في الخلاصة بأن يسأل القاضي مدعي الملك ألك بهذا السبب الذي شهدوا أو بسبب آخر إن قال بهذا السبب يقضي بالملك بهذا السبب وإن قال بسبب آخر لا يقضي بشيء أصلا ا هـ‏.‏ والحاصل أن الملك بسبب أقل من الملك المطلق لأنه يفيد الأولية بخلاف سبب يفيد الحدوث والمطلق أقل من النتاج لأن المطلق يفيد الأولية على الاحتمال والنتاج على اليقين وفي البزازية ادعى النتاج وشهدا على الشراء لا تقبل ا هـ‏.‏ إلا أن يوافق المدعي فيقول‏:‏ نتجت عندي ثم بعتها منه ثم اشتريتها فتقبل كذا في الخانية والحاصل أنهم إذا شهدوا بأكثر مما ادعى فإن وفق المدعي قبلت في المسائل كلها وإلا لا وهذا مما يجب حفظه وقدمناه عن الخانية ولم يذكر المؤلف مسألتين‏:‏ إحداهما ما إذا ادعى شيئا للحال فشهدا به فيما مضى وعكسه الثانية إذا ادعى الإنشاء فشهد بالإقرار أو عكسه أما الأولى ففي المحيط نقلا عن الأقضية وأدب القاضي للخصاف إذا ادعى الملك للحال أي في العين فشهدوا أن هذا العين كان قد ملكه تقبل لأنها أثبتت الملك في الماضي فيحكم بها في الحال ما لم يعلم المزيل قال رشيد الدين بعدما ذكرها أمر وروي سيد أنت ا هـ‏.‏ ومعنى هذا لا يحل للقاضي أن يقول‏:‏ أتعلمون أنه ملكه اليوم نعم ينبغي للقاضي أن يقول هل تعلمون‏.‏ أنه خرج عن ملكه فقط ذكره في المحيط قال العمادي‏:‏ فعلى هذا لو ادعى الدين فشهدوا أنه كان له عليه كذا ينبغي أن تقبل كما في العين ومثله ما لو ادعى أنها زوجته فشهدوا أنه كان تزوجها ولم يتعرضوا للحال تقبل هذا كله إذا شهدوا بالملك في الماضي أما لو شهدوا باليد له في الماضي لا يقضى به في ظاهر الرواية وإن كانت اليد تسوغ الشهادة في الملك على ما أسلفناه وعن أبي يوسف يقضى بها وخرج العمادي على هذا ما في الواقعات لو أقر بدين عند رجلين ثم شهد عدلان عند الشاهد أنه قضى دينه أن شاهدي الإقرار يشهدان أنه كان له عليه دين ولا يشهدان أن له عليه فقال‏:‏ هذا أيضا دليل على أنه إذا ادعى العين وشهدوا أنه كان له عليه تقبل وهذا غلط فإنه إنما تعرض لما يسوغ له أن يشهد به لا للقبول وعدمه بل ربما يؤخذ من منعه من إحدى العبارتين دون الأخرى ثبوت القبول في إحداهما دون الأخرى كيف وقد ثبت بشهادة العدلين عند الشاهدين أنه قضاه فلا يشهدان حتى بخبر القاضي بذلك وأن القاضي حينئذ لا يقضي بشيء كذا في فتح القدير في البزازية شهدا أنها زوجت نفسها ولا نعلم أنها في الحال امرأته أو لا أو شهدوا أنه باع منه هذا العين ولا ندري أنه ملكه في الحال أم لا يقضى بالنكاح والملك في الحال بالاستصحاب والشاهد في العقد شاهد في الحال‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن المنصوص عليه في العين ما سمعت وأما في الدين فالمنصوص عليه عدم القبول قال في فتح القدير‏:‏ شهدا على إقرار رجل بدين فقال المشهود عليه‏:‏ أتشهد أن هذا القدر علي الآن فقال‏:‏ لا أدري أهو عليك الآن أم لا لا نقبل الشهادة ا هـ وقال قبله ادعى على آخر دينا على مورثه وشهدوا أنه كان له على الميت دين لا تقبل حتى يشهدا أنه مات وهو عليه ا هـ‏.‏ فموضوع الأولى في الشهادة على الإقرار وأن الشاهد قال‏:‏ لا أدري أهو عليك الآن أم لا وهو ساكت عما إذا شهدوا أنه كان له عليه كذا وقد بحث العمادي أنه ينبغي القبول وليس بمعارض للمنصوص عليه كما علمت وفي مسألة دين الميت لا بد في القبول من شهادتهما بأنه مات وهو عليه احتياطا في أمر الميت ولهذا يحلف المدعي مع إقامة البينة بخلافه في دين الحي فتحرر أنهما إذا شهدا في دين الحي بأنه كان له عليه كذا تقبل إلا إذا سألهما الخصم عن البقاء فقالا‏:‏ لا ندري وفي دين الميت لا تقبل مطلقا وأما عكسه فقال في جامع الفصولين‏:‏ ولو ادعى ملكا في الماضي وشهد به في الحال بأن قال‏:‏ كان هذا ملكي وشهد أنه له قيل‏:‏ تقبل وقيل‏:‏ لا تقبل وهو الأصح وكذا لو ادعى أنه كان له وشهدا أنه كان له لا تقبل لأن إسناد المدعي يدل على نفي الملك في الحال إذ لا فائدة للمدعي في الإسناد مع قيام ملكه في الحال بخلاف الشاهدين لو أسندا ملكه إلى الماضي لأن إسنادهما لا يدل على النفي في الحال لأنهما لا يعرفان بقاءه إلا بالاستصحاب والشاهد قد يحترز عن الشهادة بما ثبت باستصحاب الحال لعدم تيقنه بخلاف المالك إذ كما يعلم ثبوت ملكه يقينا يعلم بقاءه يقينا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الثانية أعني ما إذا ادعى الإنشاء فشهدا بالإقرار أو عكسه فقال في جامع الفصولين ادعى الوديعة وشهدا أن المودع أقر بالإيداع تقبل كما في الغصب وكذا العارية ادعى نكاحا وشهدا بإقرارهما بنكاح تقبل كما في الغصب ولو ادعى دينا فشهدا بإقراره بالمال تقبل وتكون إقامة البينة على إقراره كإقامة البينة على السبب وأفتى بعضهم بعدم القبول ادعى قرضا وشهدا بإقراره بالمال تقبل بلا بيان السبب ا هـ‏.‏ فتقبل في الإيداع والغصب والعارية والديون والنكاح وأما البيع فقال في جامع الفصولين‏:‏ ادعى بيعا وشهدا أنه أقر بالبيع واختلفا في زمان ومكان تقبل وفيه قبله ادعى مائة قفيز بر بسبب سلم صحيح وشهدا أن المدعى عليه أقر أن له عليه مائة قفيز ولم يزيدا قيل تقبل لأنه اختلاف في سبب -‏.‏ الدين فلا يمنع وقيل‏:‏ لا وهو الأصح لأنهما لم يذكرا إقراره بسبب السلم والاختلاف في سبب الدين إنما يمنع قبولها لو لم يختلف الدين باختلاف السبب ودين السلم مع دين آخر يختلفان إذ الاستبدال قبل القبض لم يجز في السلم وجاز في دين البر بلا سبب فلم يشهدا بدين يدعيه فلا تقبل بخلاف ما لو ادعى بسبب القرض وشهدا أنه أقر ولم يذكرا بسبب القرض تقبل‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ ادعى قضاء دينه وشهدا أنه أقر باستيفائه تقبل ا هـ‏.‏ وفي القنية ادعى عبدا فشهد أحدهما بملك مرسل والآخر بإقرار ذي اليد بملكيته للمدعي تقبل ولو كان هذا في دعوى الأمة والضيعة لا تقبل والفرق فيها وأما عكسها أعني ما إذا ادعى الإقرار فشهدا بالإنشاء فغير متصور شرعا إذ لا تسمع الدعوى بالإقرار لما في البزازية معزيا إلى الذخيرة ادعى أنه له عليه كذا وأن العين الذي في يده له لما أنه أقر له به أو ابتدأ بدعوى الإقرار وقال‏:‏ أنه أقر أن هذا لي أو أقر أن لي عليه كذا قيل‏:‏ يصح وعامة المشايخ على أنه لا تصح الدعوى لعدم صلوح الإقرار للاستحقاق كالإقرار كاذبا فلا تصح الإقرار لإضافة الاستحقاق إليه بخلاف دعوى الإقرار من المدعى عليه على المدعي بأنه برهن على أنه أقر أنه لا حق له فيه أو بأنه ملك المدعي حيث تقبل وتمامه فيها وسنتكلم عليها بأوضح من ذلك في الدعوى إن شاء الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى‏)‏ أي عند أبي حنيفة رضي الله عنه ويكفي عندهما الاتفاق في المعنى والمراد باتفاقهما لفظا تطابق لفظيهما على إفادة المعنى بطريق الوضع لا بطريق التضمن فلو ادعى على آخر مائة درهم فشهد واحد بدرهم وآخر بدرهمين وآخر بثلاثة وآخر بأربعة وآخر بخمسة لم تقبل عنده في شيء لعدم الموافقة لفظا وعندهما يقضى بأربعة وكذا إن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل عنده وعندهما تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي ألفين وعلى هذا المائة والمائتان والطلقة والطلقتان والطلقة والثلاث كذا في الكافي وقد أشار بتفسير الموافقة إلى أنه لا يشترط أن يكون بعين ذلك اللفظ بل إما بعينه أو بمرادفه حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية تقبل وبه اندفع ما في النهاية من أن المطابقة في المعنى كافية للفرع المذكور لحصول المطابقة لفظا ومعنى بخلاف ما لو شهد أحدهما بأنه قال لها‏:‏ أنت خلية وشهد الآخر بأنه قال لها‏:‏ أنت برية حيث لا يقبل لأنهما لفظان متباينان وإن اشتركا في لازم واحد وهو البينونة لأن معنى خلية غير معنى برية وعلى هذا لو شهد أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج فإنها تقبل كما في المحيط ولو شهد أحدهما بالغصب أو القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل ذكره الشارح وفي العمدة شهد أحدهما أن له عليه ألف درهم وشهد الآخر أنه أقر له بألف درهم تقبل ا هـ‏.‏ وخرج عن ظاهر قول الإمام مسائل وإن أمكن رجوعها إليه في الحقيقة الأولى ما في العمدة الثانية ادعى كر حنطة فشهد أحدهما بأنها جيدة والآخر رديئة والدعوى بالأفضل يقضى بالأقل الثالثة ادعى مائة دينار فقال أحدهما‏:‏ نيسابورية والآخر بخارية والمدعي يدعي النيسابورية وهو أجود يقضى بالبخارية بلا خلاف ينقل ومثله لو شهد أحدهما بألف بيض والآخر بألف سود والمدعي يدعي الأفضل تقبل على الأقل ووجهه في المسائل الثلاث أنهما اتفقا على الكمية وانفرد أحدهما بزيادة وصف ولو كان المدعي يدعي الأقل لا تقبل إلا أن وفق بالإبراء وتمامه في فتح القدير الرابعة مسألة الهبة والعطية الخامسة مسألة النكاح والتزويج وقدمناهما السادسة شهد أحدهما أنه جعلها صدقة موقوفة أبدا على أن لزيد ثلث غلتها وشهد آخر أن لزيد نصفها تقبل على الثلث والباقي للمساكين كذا في أوقاف الخصاف السابعة ادعى أنه باع بيع الوفاء فإذا شهد أحدهما به والآخر بأن المشتري أقر بذلك تقبل كما في فتح القدير ولا خصوصية لبيع الوفاء فإذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به تقبل كما في جامع الفصولين ولا خصوصية للبيع بل كل قول كذلك بخلاف الفعل كما فيه أيضا والنكاح كالفعل ا هـ‏.‏ الثامنة شهد أحدهما أنها جاريته والآخر أنها كانت له تقبل كما في الفتح أيضا التاسعة ادعى ألفا مطلقا فشهد أحدهما على إقراره بألف قرض والآخر بألف وديعة تقبل وإن ادعى أحد السببين لا تقبل لأنه أكذب شاهده كذا في البزازية بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف قرضا والآخر بألف وديعة فإنها لا تقبل منها أيضا العاشرة ادعى الإبراء فشهد أحدهما به والآخر على أنه وهبه أو تصدق عليه أو حلله جاز بخلاف ما إذا شهد أحدهما على الهبة والآخر على الصدقة لا تقبل كذا في البزازية الحادية عشرة ادعى الهبة فشهد أحدهما بالبراءة والآخر بالهبة وأنه حلله جاز الثانية عشرة ادعى الكفيل الهبة فشهد أحدهما بها والآخر بالإبراء جاز ويثبت الإبراء لا الهبة لأنه أقلهما فلا يرجع الكفيل على الأصيل وهما في البزازية الثالثة عشرة شهد أحدهما على إقراره أنه أخذ العبد والآخر على إقراره بأنه أودعه منه هذا العبد تقبل لاتفاقهما على الإقرار بالأخذ الرابعة عشرة شهد أحدهما أنه غصبه منه والآخر أن فلانا أودع منه هذا العبد يقضى للمدعي ولا يقبل من المدعى عليه بينة بعده لأن الشاهدين شهدا على إقراره بالملك الخامسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه والآخر أنها حبلت منه تقبل السادسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه ذكرا‏.‏ وقال الآخر‏:‏ أنثى تقبل كذا في البزازية السابعة عشرة شهد أحدهما أنه أقر أن الدار له والآخر أنه سكن فيها تقبل الثامنة عشرة أنكر إذن عبده فشهد أحدهما على أنه أذن له في الثياب والآخر على أنه أذن له في الطعام تقبل بخلاف ما إذا قال‏:‏ أحدهما إنه أذنه صريحا وقال الآخر‏:‏ رآه يشتري ويبيع فسكت لا تقبل التاسعة عشرة اختلف شاهدا الإقرار بالمال في كونه أقر بالعربية أو بالفارسية تقبل بخلافه في الطلاق العشرون شهد أحدهما بأنه قال لعبده‏:‏ أنت حر وقال الآخر قال له أزدي تقبل الحادية والعشرون قال لامرأته‏:‏ إن كلمت فلانا فأنت طالق فشهد أحدهما أنها كلمته غدوة والآخر عشية طلقت الثانية والعشرون إن طلقتك فعبده حر فقال أحدهما‏:‏ طلقها اليوم وقال‏:‏ الآخر إنه طلقها أمس يقع الطلاق والعتاق الثالثة والعشرون شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا ألبتة والآخر أنه طلقها ثنتين ألبتة يقضى بطلقتين ويملك الرجعة ذكره في المنتقى عن هشام عن محمد بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه أعتق كله والآخر أنه أعتق نصفه لا تقبل وعلى هذا ففرق بين الطلقة والطلقتين وبين هذه‏.‏ والفرق أنهما هنا اتفقا على البينونة لفظا ومعنى وإن اختلفا في العدد بخلاف تلك وفي العيون لأبي الليث هشام عن محمد في رجل تحته أمة فأعتقت فشهد عليه شاهدان فقال أحدهما‏:‏ أشهد أنك طلقتها وهي أمة ثلاثا وشهد الآخر أنه طلقها بعدما أعتقت ثلاثا قال‏:‏ هما تطليقتان فيملك الرجعة لأن الثلاث التي شهد بها في حال الرق واحدة منهما ليست بشيء ولو شهد شاهد أن فلانا طلق امرأته ثلاثا ألبتة وشهد الآخر أنه طلقها اثنتين ألبتة فهما تطليقتان يملك الرجعة لأنه يحتاج إلى قوله ألبتة في ثلاث ا هـ‏.‏ الرابعة والعشرون‏:‏ شهد أحدهما أنه أعتق بالعربي والآخر بالفارسي تقبل للاتفاق في المعنى بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه قذفه بالعربي والآخر بالفارسي لا تقبل لأن العبرة في الحدود للصورة والمعنى جميعا احتياطا للدرء كذا في البزازية‏.‏ الخامسة والعشرون اختلفا في مقدار المهر يقضى بالأقل كما في البزازية وفي جامع الفصولين شهدا ببيع أو إجارة أو طلاق أو عتق على مال واختلفا في قدر البدل لا تقبل إلا في النكاح تقبل ويرجع في المهر إلى مهر المثل وقالا‏:‏ لا تقبل في النكاح أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ السادسة والعشرون‏:‏ شهد أحدهما أنه وكله بخصومة مع فلان في دار سماها وشهد الآخر وكله بخصومة فيه وفي شيء آخر تقبل في دار اجتمعا عليه إذ الوكالة تقبل التخصيص وفيما اتفق عليه الشاهدان تثبت الوكالة لا فيما تفرد به أحدهما فلو ادعى وكالة معينة فشهد بها والآخر بوكالة عامة ينبغي أن تثبت المعينة ولو شهد بوكالة وزاد أحدهما أنه عزله تقبل في الوكالة لا في العزل ولو شهد أحدهما أنه وكله بطلاقها وشهد الآخر أنه وكله بطلاقها وطلاق فلانة الأخرى فهو وكيل في طلاق التي اتفقا عليه كذا في جامع الفصولين السابعة والعشرون شهد أحدهما بأنه وقفه في صحته والآخر بأنه وقفه في مرضه قبلا إذ شهدا بوقف بات إلا أن حكم المرض ينقض فيما لا يخرج من الثلث وبهذا لا تمنع الشهادة كما لو شهد أحدهما أنه وقف ثلث أرضه والآخر أنه وقف ربعها كذا في جامع الفصولين من كتاب الوقف من أحكام المرضى الثامنة والعشرون ولو شهد شاهد أنه أوصى إليه يوم الخميس وآخر أنه أوصى إليه يوم الجمعة جازت لأنها كلام لا يختلف بزمان ومكان كذا في وصايا الولوالجية التاسعة والعشرون ادعى مالا فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال غريمه بهذا المال وشهد الآخر أنه كفل عن غريمه بهذا المال تقبل كذا في القنية الثلاثون شهد أحدهما أنه باعه بكذا إلى شهر وشهد الآخر بالبيع ولم يذكر الأجل الحادية والثلاثون شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام ولم يذكر الآخر الخيار تقبل فيهما كما ذكره الزيلعي في باب التحالف الثانية والثلاثون من وكالة منية المفتي شهد واحد أنه وكله بالخصومة في هذه الدار عند قاضي الكوفة وآخر قال‏:‏ عند قاضي البصرة جازت شهادتهما‏.‏ ا هـ‏.‏ والثالثة والثلاثون‏:‏ في أدب القضاء للخصاف من باب الشهادة بالوكالة شهد أحدهما أنه وكله بالقبض والآخر أنه جراه تقبل الرابعة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه سلطه على قبضه تقبل الخامسة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه أوصى إليه بقبضه في حياته تقبل السادسة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بطلب دينه والآخر بتقاضيه تقبل السابعة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر بتقاضيه أو طلبه تقبل الثامنة والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه أمره بأخذه أو أرسله ليأخذه تقبل ا هـ‏.‏ وهي في أدب القضاء وما قبلها التاسعة والثلاثون اختلفا في زمن إقراره بالوقف تقبل الأربعون اختلفا في مكان إقراره به تقبل الحادية والأربعون اختلفا في وقفه في صحته أو في مرضه تقبل الثانية والأربعون شهد أحدهما بوقفها على زيد والآخر على عمرو تقبل وتكون وقفا على الفقراء وهذه الثلاثة من الإسعاف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل‏)‏ يعني عند أبي حنيفة وعندهما تقبل بناء على أن المعتبر المعنى لا غير قال‏:‏ الشارح والذي يبطل مذهبهما أن الشاهدين لو شهدا بتطليقة وشهد آخران بثلاث وفرق القاضي بينهما قبل الدخول ثم رجعوا كان ضمان نصف الصداق على شاهدي الثلاث دون شاهدي الواحدة ولو كان كما قالا‏:‏ إن الواحدة توجد في الثلاث لكان الضمان عليهم جميعا ا هـ‏.‏ وأجيب عنهما بأن الكلام فيما إذا كانت كل شهادة لا توجب شيئا بانفرادها فحينئذ قالا بثبوت ما اتفقا عليه وهو الأقل فيثبت الحق بهما وأما هنا فكل شهادة لو انفردت أوجبت البينونة ومع شهود الثلاث زيادة فأضيفت البينونة إليهم دون شهود الواحدة لعدم الحاجة إليهم فلما لم يضف الحكم إليهم لم يضمنوا بالرجوع لهذا المعنى لا لما ذكره قال الشارح ولا يلزم ما إذا قال لها‏:‏ طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة حيث تقع واحدة لأن ذلك لكون الثلاث صار في يدها فلها أن توقع كلها أو بعضها ولا يلزم ما إذا طلقها الزوج ألفا حيث يقع الثلاث لأنه يتصرف عن ملك فله أن يوقع أي عدد شاء إلا أنه لا ينفذ إلا بقدر المحل ا هـ‏.‏ وقدمنا عن الكافي أن المائة والمائتين والطلقة والطلقتين كالألف والألفين وظاهره أنه لا يقع شيء عند أبي حنيفة وقدمنا عن البزازية في المسائل المستثناة ما يقتضي أن يقضى في الطلاق بالأقل اتفاقا وقد صرح قاضي خان في فتاواه بما في الكافي فكان هو المذهب لأن ما في البزازية رواية المنتقى إلا أن يفرق بينهما بما قدمناه وكذا ما في البزازية قبله لو ادعى ألفين فشهد أحدهما بألف والآخر بألفين يقبل على ألف إجماعا سهو كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن شهد الآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ذلك قبلت على الألف‏)‏ لاتفاقهما على الألف لفظا ومعنى وقد انفرد أحدهما بخمسمائة بالعطف والمعطوف غير المعطوف عليه فيثبت ما اتفقا عليه بخلاف الألف والألفين لأن لفظ الألف غير لفظ الألفين ولم يثبت واحد منهما ولا يقال‏:‏ إن الألف موجود في الألفين لأنا نقول‏:‏ نعم موجود إذا ثبت الألفان فتثبت الألف ضمنا فإذا لم يثبت المتضمن لا يثبت المتضمن ومقتضى تعليلهم أنه لو شهد أحدهما بألف والآخر بألف وألف أن يقضى بالألف اتفاقا إذا ادعى الأكثر قيد بقوله والمدعي يدعي الأكثر لأنه لو لم يدع فهي باطلة للتكذيب إلا أن يوفق فيقول‏:‏ أصل حقي كان كما قال‏:‏ إلا أني استوفيت الزائد أو أبرأته عنه فحينئذ تقبل على الأقل لظهور التوفيق ونظيره مسألة الكتاب الطلقة والطلقة ونصف والمائة والمائة والخمسون وفي العناية لا بد من ذكر التوفيق فيما يحتمله على الأصح فلو سكت عنه لم تقبل ا هـ‏.‏ وهكذا في المعراج بخلاف العشرة وخمسة عشر حيث لا تقبل لأنه مركب كالألفين إذ ليس بينهما حرف العطف ذكره الشارح وفي القنية شهد أحدهما على خمسة عشر والآخر على عشرة وخمسة والمدعي يدعي خمسة عشر ينبغي أن تقبل ا هـ‏.‏ وفي الخانية ولو شهد أحدهما على تطليقة والآخر على تطليقة ونصف أو شهد أحدهما على تطليقة والآخر على تطليقة وتطليقة جازت شهادتهما على الأقل عند الكل ولو شهد أحدهما أنه طلقها إن دخلت الدار وقد دخلت وشهد الآخر أنه طلقها إن كلمت وقد كلمت لا تقبل عند الكل وكذا لو شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا وشهد الآخر أنه قال لها‏:‏ أنت علي حرام ونوى الثلاث لا تقبل عند الكل ولو شهد أحدهما أنه طلقها نصف واحدة وشهد الآخر أنه طلقها ثلث واحدة لا تقبل عند أبي حنيفة وكذا لو شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا وشهد الآخر أنه طلقها فالشهادة باطلة في قول أبي حنيفة وعندهما جازت على الأقل‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهد بألف وقال أحدهما‏:‏ قضاه منها خمسمائة تقبل بألف ولم يسمع قوله قضاه إلا إن شهد معه آخر‏)‏ لاتفاقهما على وجوب الألف وانفراد أحدهما بقضاء النصف فلا يقبل لعدم كمال الحجة ولا يكون ذلك تكذيبا لشاهد القضاء فيما شهد به بأصل المال لأنه لم يكذبه فيما شهد له وإنما كذبه فيما شهد عليه وذلك لا يمنع كما إذا شهدا له بشيء ثم شهدا عليه بحق فإن شهادتهما له لا تبطل وإن كذبهما وقدمنا فروعا مبينة على هذا الأصل في أول الباب عن الخانية ولا بد من كون المدعي ادعى الألف وأنكر القضاء إذ لو قال‏:‏ لم يكن لي عليه إلا خمسمائة لم تقبل أصلا لأنه أكذب شهوده كذا في العمدة وإن اعترف بالقضاء لزمه خمسمائة كذا في العمدة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وينبغي أن لا يشهد حتى يقر المدعي بما قبض‏)‏ كي لا يصير معينا على الظلم والمراد من ينبغي معنى يجب فلا تحل له الشهادة وقدمنا حكم ما إذا تحمل شهادة ثم أخبر بما يرفعها من دين ونكاح وقتل أول الشهادات وقد ذكرها في فتح القدير هنا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهدا بقرض ألف وشهد أحدهما أنه قضاه جازت الشهادة على القرض‏)‏ لتمام الحجة في القرض وعدمها في القضاء وإنما ذكر هذه وإن علم حكمها مما قبلها لاختلاف الموضوع فإنها في القرض وما قبلها في مطلق ألف وهي في انفراد أحدهما بقضاء الكل وما قبلها بقضاء النصف والأولى مسألة القدوري والثانية مسألة الجامع الصغير ومن جهة المعنى فإنه ربما يتوهم عدم القبول في الثانية لأنه لما علم بالقضاء انتفت شهادته أصلا فحين شهد كانت باطلة بخلاف قضاء البعض فإنه يقول‏:‏ شهدت لبقاء الخمسمائة وشهدت بالألف أولا كما تحملت فكان الأداء واجبا علي بخلاف ما إذا علم بقضاء الكل فإن الأداء لم يجب أصلا فذكرها لدفع هذه الشبهة وإنما قبلت لأنه صادق فيما أخبر به من القرض متقدما ولا ينظر القاضي إلى اعتقاده إنما ينظر إلى أداء شهادته‏.‏ كذا في المعراج ولم يذكر المؤلف رحمه الله اختلاف الشاهدين في الزمان أو المكان وذكره في الكافي فقال‏:‏ وإذا اختلف الشاهدان في المكان أو الزمان في البيع والشراء والطلاق والعتق والوكالة والوصية والرهن والدين والقرض والبراءة والكفالة والحوالة والقذف تقبل وإن اختلفا في الجناية والغصب والقتل والنكاح لا تقبل والأصل أن المشهود به إذا كان قولا كالبيع ونحوه فاختلاف الشاهدين فيه في الزمان أو المكان لا يمنع قبول الشهادة لأن القول مما يعاد ويكرر وإن كان المشهود به فعلا كالغصب ونحوه أو قولا لكن الفعل شرط صحته كالنكاح فإنه قول وحضور الشاهدين فعل وهو شرط فاختلافهما في الزمان أو المكان يمنع القبول لأن الفعل في زمان أو مكان غير الفعل في زمان أو مكان آخر فاختلف المشهود به ثم قال‏:‏ أبو يوسف ومحمد إذا اختلف شاهدا القذف في مكان أو زمان لا تقبل وإن كان قولا لأن كل واحد منهما إن كان إنشاء فهو غيران وليس على كل قذف شاهدان وإن كان أحدهما إنشاء والآخر إخبارا فهما لا يتفقان لأن الإنشاء أن يقول‏:‏ زنيت أو أنت زان والإخبار أن يقول‏:‏ قذفتك بالزنا وأبو حنيفة يقول‏:‏ يحتمل أنه سمع أحدهما الإنشاء والآخر الإخبار فيثبت عندهما قذفه فشهدا به ا هـ‏.‏ وفي جامع الفصولين الشهادة بعقد تمامه بالفعل كرهن وهبة وصدقة يبطلها الاختلاف في زمان ومكان إلا عند محمد‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلم به أن ما في الكافي من أن الرهن والهبة والصدقة من قبيل البيع ونحوه قول محمد وقول الشيخين بخلافه‏.‏ والحاصل كما في جامع الفصولين أن الاختلاف لا يخلو من وجوه ثلاثة إما في زمان أو مكان أو إنشاء أو إقرار وكل منها لا يخلو من أربعة أوجه‏:‏ إما في الفعل أو في القول أو في فعل ملحق بالقول أو عكسه أما الفعل فيمنع قبول الشهادة في الوجوه الثلاثة وأما القول المحض كبيع ورهن فلا يمنع مطلقا وأما الفعل الملحق بالقول وهو القرض فلا يمنع وأما عكسه كنكاح فيمنع ا هـ‏.‏ وهذا موافق لما في الكافي وفصل قاضي خان في فتاويه في الرهن والهبة والصدقة بأنهم إذا شهدوا على معاينة القبض واختلفا في الأيام والبلد إن جازت شهادتهم في قولهما خلافا لمحمد وإن شهدوا على إقرار الراهن والواهب والمتصدق بالقبض جازت في قولهم ا هـ‏.‏ وفي شرح ابن وهبان‏.‏ تنبيه الاختلاف في المكان يوجب الاختلاف في الزمان ولا عكس لجواز أن يشهد عليه في وقتين مختلفين في مكان واحد ا هـ‏.‏ وفي الخانية ولو اختلفا في الثياب التي كانت على الطالب أو المطلوب أو المركب أو قال أحدهما‏:‏ كان معنا فلان وقال الآخر‏:‏ لم يكن معنا ذكر في الأصل أنه يجوز ولا تبطل هذه الشهادة ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن ظاهر إطلاقهم من أن الاختلاف في الزمان في الأقوال غير مانع شامل لما إذا تفاحش أو لا لأنهم يمثلونه بأمس واليوم وهو ليس بمتفاحش وفي القنية أقام شاهدين على الصلح فألجأهما القاضي إلى بيان التاريخ فقال أحدهما‏:‏ أظن كان منذ سبعة أشهر أو أقل أو أكثر وقال الآخر‏:‏ أظن منذ ثلاث سنين أو أزيد لا تقبل لما اختلفا هذا الاختلاف الفاحش وإن كان لا يحتاجان إلى بيان التاريخ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير قبيل باب تفويض الطلاق معزيا إلى كافي الحاكم لو اختلفا في الوقت أو المكان أو الزمان بأن شهد أحدهما أنه طلقها يوم النحر بمكة والآخر أنه طلقها في ذلك اليوم بالكوفة فهي باطلة لتيقن كذب أحدهما ولو شهدا بذلك في يومين متفرقين بينهما في الأيام قدر ما يسير الراكب من الكوفة إلى مكة جازت شهادتهما ولو شهد اثنان أنه طلق عمرة يوم النحر بالكوفة والآخر أنه طلق زينب يوم النحر بمكة فشهادتهما باطلة ولو جاءت إحدى البينتين فقضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها ا هـ‏.‏ وهذا أيضا مقيد لقولهم إن الاختلاف في الزمان لا يضر في الأقوال فيقال‏:‏ إلا إذا ذكرا مكانين متباعدين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهدا أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وآخران أنه قتله بمصر ردتا‏)‏ أي لم تقبل الشهادتان لأن إحداهما كاذبة وليست إحداهما بأولى من الأخرى وأشار إلى أنهما لو اختلفا في الزمان أو الآلة التي وقع القتل بها لم تقبل لما بينا وذكر في السراج الوهاج وفائدة ذلك إذا قال‏:‏ إن لم أحج العام فعبدي حر فأقام العبد شاهدين أنه قتل يوم النحر بالكوفة فأقام الورثة أنه قتل بمكة ا هـ‏.‏ وقيد بكون المشهود به القتل لأنهم لو شهدوا على إقرار القاتل بذلك في وقتين أو مكانين تقبل لأنه قول يعاد ويكرر كذا في السراج الوهاج وقد ذكر في القنية من باب البينتين المتضادتين وترجيح إحداهما على الأخرى فروعا حسنة محتاجا إليها فنذكرها على وجه الاقتصار في مسائل الأولى برهن أولياء المجروح أنه مات بسبب الجرح وبرهن الجارح أنه برئ ومات بعد عشرة أيام فبينة المقتول أولى الثانية ولو تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة في مبيع الوصي مال الصبي فبينة الغبن أولى الثالثة برهنت الأمة على أنه دبرها في مرض موته وهو عاقل وبرهنت الورثة على أنه كان مخلوط العقل فبينة الأمة أولى وكذا في الخلع الرابعة تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة في بيع الأب مال ولده والتنازع بين المشتري والابن بعد بلوغه ففيه قولان الخامسة تعارضت بينتان أنه باع وهو بالغ أو في صغره فبينة المشتري أولى لإثباتها العارض‏.‏ السادسة تعارضت بينتا إبراء المرأة زوجها في صحتها أو مرضها قولان السابعة تعارضت بينتا الإقرار للوارث في صحة المقر أو في مرضه فالبينة بينة المقر له والقول للورثة عند عدمها وله استحلافهم الثامنة تعارضت بينتا الإكراه والطوع في الإجازة فبينة الطواعية أولى وإن قضي ببينة الإكراه في الإجازة نفذ التاسعة تعارضت بينتا البيع صحيحا أو مكرها فقولان العاشرة تعارضت بينتا البيع باتا ووفاء فالبينة بينة مدعي الوفاء الحادية عشرة تعارضت بينتا الكره والطوع في البيع والصلح والإكراه فبينة الكره أولى الثانية عشرة تعارضت بينتا كون زوجة الميت حراما قبل موته بستة أشهر أو حلالا وقت الموت فبينة المرأة أولى له كنيف في طريق العامة فزعم غيره أنه محدث وزعم صاحبه أنه قديم وأقاما البينة فالبينة بينة من يدعي أنه محدث‏.‏ وقيل‏:‏ القول للمدعي لكونه متمسكا بالأصل الثالثة عشرة تعارضت بينة الخارج على الوقف عليه مطلقا مع بينة ذي اليد أن بائعي اشتراها من الواقف وأرخ فبينة الوقف أولى وقيل‏:‏ إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد الرابعة عشرة تعارضت بينتا صحة الوقف وفساده فإن كان الفساد لشرط في الوقف مفسد فبينة الفساد أولى وإن كان لمعنى في المحل وغيره فبينة الصحة أولى وعلى هذا التفصيل إذا اختلف البائع والمشتري في صحة البيع وفساده الخامسة عشرة تعارضت بينتا الملك المطلق من الخارج والشراء من آخر من ذي اليد فبينة مدعي الملك المطلق أولى السادسة عشرة تعارضت بينتا الراهن والمرتهن في قيمة الرهن فبينة الراهن أولى السابعة عشرة تعارضت بينتا وجود الشرط وعدمه فبينة المرأة أولى الثامنة عشرة تعارضت بينتا بيع الوصي بعد عزله أو قبله فبينة المشتري أولى لما فيها من زيادة إثبات نفاذ الشراء أو سبق التاريخ وقيل‏:‏ بينة العزل أولى وكذا الطلاق والعتاق من الوكيل التاسعة عشرة تعارضت بينتان في حمار وقال المدعي‏:‏ إنه ملكي غاب عني منذ ثمانية أشهر وقال ذو اليد‏:‏ اشتريته منذ سبعة عشر شهرا وأقاما البينة فبينة المدعي أولى العشرون ادعت المرأة البراءة من المهر بشرط وادعاها زوجها مطلقة وأقاما البينة فبينة المرأة أولى إن كان الشرط متعارفا يصح الإبراء معه‏.‏ وقيل‏:‏ بينة الزوج أولى الحادية والعشرون أقام أحد الأخوين بينة أن الدار التي في أيدينا كانت لأمي تركتها ميراثا بيني وبين أبي وأقام الآخر بينة أنها كانت لأبينا فتركها ميراثا لنا فبينة الأول أولى لإثباته الزيادة الثانية والعشرون أقامت المرأة البينة على المهر على أن زوجها كان مقرا بذلك إلى يومنا هذا وأقام الزوج البينة أنها أبرأته من هذا المهر الذي تدعي فبينة البراءة أولى وكذا في الدين لأن بينة مدعي الدين بطلت بإقرار المدعى عليه لما ادعى البراءة ولم تبطل بينة البراءة وهذا كشهود البيع والإقالة فإن بينة الإقالة أولى لبطلان بينة البيع بإقرار مدعي الإقالة وينبغي أن يحفظ هذا الأصل فإنه يخرج به كثير من الواقعات الثالثة والعشرون ادعى على رجل ستة دنانير فقال المدعى عليه‏:‏ إنه أبرأني عن هذه الدعوى فأقام بينة وأقام المدعي بينة أنه كان أقر له بستة دنانير قيل‏:‏ تصح دعوى الإقرار ثانيا وقيل‏:‏ لا تصح وقيل‏:‏ إن ذكر الخصم القبول أو التصديق في الإبراء لا يصح وإلا يصح الرابعة والعشرون تعارضت بينة الصحة والفساد في الشراء ففيه قولان الخامسة والعشرون تعارضت بينتا الإجازة والرد في بيع الفصولين فبينة المشتري أولى السادسة والعشرون تعارضت بينتا السكوت والرد في نكاح البكر فبينتها أولى بخلاف ما إذا برهن على إجازتها وهي على ردها فبينته أولى السابعة والعشرون تعارضت بينتا البيع والوقف عليه مسجلا فبينة مدعي البيع أولى إلا إذا عين الواقف فبينة الوقف أولى لأنه يصير مقضيا عليه فلا بد من التعيين كبينة الملك مع بينة العتق ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قضي بإحداهما أولا بطلت الأخرى‏)‏ لأن الأولى ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنقض بالثانية ونظيره لو كان مع رجل ثوبان أحدهما نجس فتحرى وصلى في أحدهما ثم وقع تحريه على طهارة الآخر لا تجوز له الصلاة فيه لأن الأول اتصل بحكم الشرع فلا ينتقض بوقوع التحري في الآخر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهدا بسرقة بقرة واختلفا في لونها قطع بخلاف الذكورة والأنوثة والغصب‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة وقالا‏:‏ لا قطع في الوجهين وقيل‏:‏ الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة لا في السواد والبياض وقيل‏:‏ في جميع الألوان لهما أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة وصار كالغصب بل أولى لأن أمر الحد أهم وصار كالذكورة والأنوثة وله أن التوفيق ممكن لأن التحمل في الليالي من بعيد واللونان يتشابهان أو يجتمعان فيكون السواد من جانب وهذا يبصره والبياض من جانب آخر وهذا يشاهده بخلاف الغصب لأن التحمل فيه بالنهار غالبا على قرب منه والذكورية والأنوثة لا يجتمعان في واحد وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه أطلق في اللون فشمل جميع الألوان وهو الصحيح كذا في الكافي وقدمنا الاختلاف فيه وفي القنية خلاف غير ما قدمناه عن أبي جعفر أن هذا الخلاف فيما إذا اختلفا في صفتين متضادتين كالسواد والبياض فأما في المتقاربتين كما إذا شهد أحدهما على الصفرة والآخر على الحمرة فإنه تقبل لأن الصفرة المشبعة تضرب إلى الحمرة والحمرة إذا رقت تضرب إلى الصفرة وكثير من العوام لا يميزون بينهما وكذا إذا شهد أحدهما أنها غبراء والآخر أنها بيضاء تقبل بلا خلاف وعلى هذا الاختلاف بين الإمام وصاحبيه لو اختلفا في ثوب بأن قال أحدهما‏:‏ هروي وقال الآخر مروي وقيد الاختلاف بما ذكر احترازا عما إذا اختلفا في الزمان أو المكان فإنها لا تقبل لأنها من قبيل الأفعال وأشار بقوله شهدا بسرقة بقرة إلى أن المدعي ادعى بقرة مطلقة من غير تقييد بوصف وأما إذا ادعى سرقة بقرة سوداء أو بيضاء لم تقبل إجماعا لأن المدعي كذب أحدهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن شهد لرجل أنه اشترى عبد فلان بألف وشهد آخر بألف وخمسمائة بطلت الشهادة‏)‏ لأنهما لم يتفقا على عقد واحد والشراء بألف غير الشراء بألف وخمسمائة والمقصود إثبات العقد فإذا اختلف المشهود به تعذر الحكم لقصور الحجة عن كمال العدد أطلقه فشمل ما إذا كان المدعي يدعي أقل المالين أو أكثرهما وأشار إلى أن المدعي لو كان هو البائع واختلف شاهداه لم تقبل أيضا لما ذكرنا وذكر علاء الدين السمرقندي أن الشهادة تقبل في مسألة الكتاب لأن التوفيق ممكن لأن الشراء الواحد قد يكون بألف ثم يصير بألف وخمسمائة بأن يشتريه بألف ثم يزيده عليه خمسمائة فقد اتفقا على شراء واحد ا هـ‏.‏ وهو عجيب منه فإن المسألة نص محمد في الجامع الصغير وقد أجاب في العناية عن دليله بأنه إذا اشترى بألف ثم زاد خمسمائة فلا يقال اشترى بألف وخمسمائة ولهذا يأخذ الشفيع بأصل الثمن ا هـ‏.‏ ولم يزد في المعراج على قوله وفيه نوع تأمل ونقله عنه في فتح القدير ولم يبينه ثم رأيت الجامع الصغير فإذا هو لم يذكر إلا مسألة البيع وكلام السمرقندي فيما قيس عليها وهو الشراء فلذا قال بالقبول فيه بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن كألف درهم ومائة دينار فإنها لا تقبل اتفاقا وأشار المؤلف رحمه الله إلى أنهما لو شهدا بالشراء ولم يبينا الثمن لم تقبل لما في البزازية ادعى محدودا بسبب الشراء من فلان ودفع الثمن إليه وقبض المدعي بالرضا فشهدا بأنه ملكه بالشراء منه لا تقبل الشهادة لأنه دعوى الملك بسبب والقاضي أيضا لا بد أن يقضي بذلك السبب ولم يذكروا الثمن ولا قدره ولا وصفه والحكم بالشراء بثمن مجهول لا يصح قيل‏:‏ المدعي ذكر التقابض وشهدا على موافقة ومع التقابض لا حاجة إلى ذكر الثمن قلنا شهدا بالشراء لا غير والتقابض لا يندرج تحت لفظ الشراء لا صريحا ولا دلالة وإذا قضى بالشراء لا بد له من القضاء بالثمن أيضا في هذه الصورة والقضاء بالمجهول لا يتحقق‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكذا الكتابة والخلع‏)‏ يعني إذا اختلف الشاهدان في مقدار البدل فيهما لم تقبل أطلقهما فشمل ما إذا كان المدعي هو العبد وهو ظاهر لأن مقصوده هو العقد وما إذا كان المدعي هو المولى لأن العتق لا يثبت قبل الأداء فكان المقصود إثبات السبب كما في الهداية وقيل‏:‏ إن كان المدعي هو المولى لا تفيد بينته لأن العقد غير لازم في حق العبد لتمكنه من الفسخ بالتعجيز وأطلق الخلع وهو مقيد بما إذا كانت المرأة هي المدعية للخلع لأن مقصودها إثبات السبب دون المال فلا يثبت مع اختلافهما فيه كالبيع بخلاف دعوى الدين فإن المقصود منه المال وإن كان المدعي هو الزوج وقع الطلاق بإقراره فيكون دعوى دين فيثبت الأقل وهو ما اتفقا عليه وأشار بالكتابة والخلع إلى كل عقد شابههما وهو الصلح عن دم العمد والعتق على مال والرهن ففي الصلح لا بد أن يكون المدعي هو القاتل وفي الإعتاق لا بد من كون المدعي العبد لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه فإن كانت الدعوى من الجانب الآخر فهو بمنزلة دعوى الدين فيما ذكرنا من الوجوه لثبوت العفو والعتق باعتراف صاحب الحق فبقي الدعوى في الدين‏.‏ فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم يقض بشيء عنده وعندهما يقضى بالأقل وإن شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة يقضى بألف اتفاقا وأما في الرهن فإن كان المدعي هو الراهن لم تقبل لأنه لا حظ له في الرهن بعدم لزومه في حق المرتهن فعريت الشهادة عن الدعوى وإن كان المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين وصوره الشارح بأن يدعي أنه رهنه ألفا وخمسمائة وادعى أنه قبضه ثم أخذه الراهن فطلب الاسترداد منه فأقام بينة فشهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة فإنه يثبت أقلهما ا هـ‏.‏ وهذه صورة دعوى العقد فينبغي أن لا تقبل أصلا ولم يذكر صورة دعوى الدين وصوره في فتح القدير بأن يقول المرتهن‏:‏ أطالبه بألف وخمسمائة لي عليه على رهن له عندي وظاهر الهداية أن الرهن إنما هو من قبيل دعوى الدين وتعقبه في العناية تبعا للنهاية بأن عقد الرهن بألف غيره بألف وخمسمائة فيجب أن لا تقبل البينة وإن كان المدعي هو المرتهن لأنه كذب أحد شاهديه وأجيب بأن العقد غير لازم في حق المرتهن حيث كان له ولاية الرد متى شاء فكأنه في حكم العدم فكان الاعتبار لدعوى الدين لأن الرهن لا يكون إلا بدين فتقبل البينة كما في سائر الديون ويثبت الرهن بالألف ضمنا وتبعا ا هـ‏.‏ ولم يذكر المؤلف الإجارة لكن أشار بالبيع إليها ولذا قال في الهداية إن كان ذلك في أول المدة فهو نظير البيع وإن كان بعد مضي المدة والمدعي هو الآجر فهو دعوى الدين‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد بكون المدعي هو الآجر للاحتراز عما إذا كان المدعي هو المستأجر فهو دعوى العقد بالإجماع لأنه معترف بمال الإجارة فيقضى عليه بما اعترف به فلا يعتبر اتفاق الشاهدين أو اختلافهما فيه ولا يثبت العقد للاختلاف كذا في فتح القدير وحاصله أن بعضهم قال‏:‏ إن كان ذلك اعترافا منه بمال الإجارة فيجب ما اعترف به ولا حاجة إلى الشهود لأنه إن أقر بالأكثر فلا يبقى نزاع وإن أقر بالأقل فالآجر لا يأخذ منه ببينة سوى ذلك كذا في النهاية وفي بعض الشروح فإن كان‏.‏ الدعوى من المستأجر فهذا دعوى العقد بالإجماع قال في العناية‏:‏ وهو في معنى الأول لأن الدعوى إذا كانت في العقد بطلت الشهادة فيؤخذ المستأجر باعترافه ا هـ‏.‏ وفي جامع الفصولين شهدا برهن ولم يعلما قدر الدين لم يجز ا هـ‏.‏ ولم أر صريحا حكم الصلح عن المال وإنما سكتوا للعلم به من الصلح فإنه إن كان بمال عن إقرار كان بيعا وقد علم حكمه وإن كان بمنافع كان إجارة وقد علم حكمها ولم يذكروا اختلافهما في الكفالة والحوالة ولا يتصور الدعوى بها إلا من الطالب والظاهر أنها من قبيل دعوى الدين فإذا اختلفا في مقدار المكفول به قضي بالأقل ولا تتصور في الحوالة إلا من المحتال وهي كالكفالة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فأما في النكاح فيصح بألف‏)‏ استحسانا وقالا‏:‏ هي باطلة أيضا لأنه اختلاف في العقد لأن المقصود من الجانبين السبب فأشبه البيع ولأبي حنيفة أن المال في النكاح تابع والأصل فيه الحل والازدواج والملك ولا اختلاف فيما هو الأصل فيثبت فإذا وقع الاختلاف في البيع يقضى بالأقل لاتفاقهما عليه أطلقه فشمل ما إذا ادعت أقل المالين وأكثرهما وهو الصحيح وشمل ما إذا كان المدعي الزوج أو المرأة وهو الأصح كما في الهداية وقيل‏:‏ الاختلاف فيما إذا كانت هي المدعية وفيما إذا كان المدعي هو الزوج فالإجماع على عدم قبولها لأن مقصودها قد يكون المال ومقصوده ليس إلا العقد وصححه في الفوائد كما في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وملك المورث لم يقض لوارثه بلا جر إلا أن يشهدا بملكه أو يده أو يد مستعيره وقت الموت‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف هو يقول‏:‏ إن ملك الوارث ملك المورث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة للوارث وهما يقولان إن ملك الوارث متجدد في حق العين حتى يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة ويحل للوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير فلا بد من النقل إلا أنه يكتفى بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة وكذا على قيام يده لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل فصار بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت والمراد بالمستعير الأمين مستعيرا أو مودعا أو مستأجرا لأن يده قائمة مقام يده فأغنى ذلك عن الجر والنقل ولو قال‏:‏ أو يد من يقوم مقامه لكان أولى ليشمل الأمين وغيره كالغاصب والمرتهن فالجر أن يقول الشاهد‏:‏ مات وتركها ميراثا له أو ما يقوم مقامه من إثبات ملكه وقت الموت أو إثبات يده أو يد من قام مقامه فإذا أثبت الوارث أن العين كانت لمورثه لا يقضى له وهو محل الاختلاف بخلاف الحي إذا أثبت أن العين كانت له فإنه يقضى له بها اعتبارا للاستصحاب إذ الأصل البقاء‏.‏ وكذا إذا أقام البينة أنه اشتراها من فلان فإنه يكفي ولا يحتاج إلى إثبات ملك البائع وقته لأن الشراء موضوع للملك بخلاف الموت فإنه مزيل له ولذا لم يصح التعليق بقوله للوارث إن مات سيدك فأنت حر ثم اعلم أن القضاء للوارث لا بد فيه للمشهود من الجر كما قدمناه ولا بد فيه من بيان سبب الوراثة فإذا شهدوا أنه أخوه فلا بد فيه من بيان أنه أخوه لأبيه وأمه أو لأحدهما وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه عمه أو مولاه لم تقبل لأن المولى مشترك فإن قالا‏:‏ هو مولاه أعتقه ولا نعلم له وارثا غيره فحينئذ تقبل وفي الظهيرية ادعى أنه وارث فلان الميت وأقام شاهدين فشهدا أنه وارث فلان الميت لا وارث له سواه فإن القاضي يسألهما عن النسب ولا يقضي قبل السؤال ولو أقام المدعي بينة أنه وارث فلان وأن قاضي بلد كذا فلان بن فلان قضى بأنه وارثه لا وارث له غيره وأشهدنا على قضائه ولا ندري بأي سبب قضى فإن القاضي يسأل المدعي عن النسب الذي قضى له القاضي به فإن بين قضى له بالميراث لأن قضاء القاضي يحمل على الصحة والسداد ما أمكن ولا ينقض بالشك ولا يقضي بالنسب الذي بين المدعي لأن هذا القاضي‏.‏ لا يدري أن القاضي الأول هل قضى بذلك النسب أم لا ا هـ‏.‏ وفيها من كتاب الدعوى والابن إذا ادعى دارا بجهة الوراثة فشهد الشهود أنها كانت دارا لأبيه وقت الموت ولم يقولوا في شهادتهم وهو ابنه ووارثه قال بعضهم‏:‏ لا تصح هذه الشهادة فإن محمدا رحمه الله تعالى ذكر في الزيادات وشهدوا أنه ابنه ووارثه قالوا‏:‏ إنما ذكر ذلك لإزالة وهم الرضاع والأصح أن قوله ووارثه اتفاقا ولا معول عليه فإنه ذكر في الأب والأم وهو أبوه وأمه وجوز الشهادة وإن لم يذكر ووارثه فإن ادعى أنه عم الميت يشترط لصحة الدعوى أن يفسر فيقول عمه لأبيه وأمه أو لأبيه أو لأمه ويشترط أيضا أن يقول ووارثه وإذا أقام البينة لا بد للشهود من نسبة الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد وكذلك هذا في الأخ والجد ا هـ‏.‏ وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه ابن ابنه أو بنت ابنه لا بد أن يقولوا‏:‏ إنه وارثه وقيد بالملك لأن إثبات شراء المورث لا يتوقف على الجد لما في الظهيرية ادعى دارا في يد رجل أن أباه اشتراها من ذي اليد بألف درهم ومات أبوه فجحد البائع ذلك صح دعواه وإن لم يذكر في دعواه أن أباه مات وتركها ميراثا له وهو الذي يقال‏:‏ الجر شرط عند أبي حنيفة ومحمد لصحة الدعوى ثم القاضي يسأل البينة فإذا أقام البينة على ذلك وقالوا‏:‏ لا نعلم له وارثا غيره يقضي القاضي بالبينة ويأمر المدعي أن ينقد الثمن ولو كانت الدار في يد رجل آخر غير البائع لا بد من الجر لصحة الدعوى‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن الجر شرط صحة الدعوى لا كما يتوهم من كلام المصنف من أنه شرط القضاء بالبينة فقط ومن شرط قبول الشهادة بالميراث أن يدرك الشاهد الميت ولذا قال في البزازية‏:‏ شهدا أن فلان بن فلان مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة لأنهما شهدا بملك لم يعاينا سببه ولا رأياه في يد المدعي كذا في البزازية ومن الشروط قول الشاهد لا وارث له غيره وفي البزازية ويشترط ذكر لا وارث له غيره لإسقاط التلوم عن القاضي وقوله لا أعلم له وارثا غيره عندنا بمنزلة ولا وارث له غيره ولو قال‏:‏ لا وارث له غيره بأرض كذا تقبل عنده خلافا لهما ا هـ ولا يشترط ذكر اسم الميت حتى لو شهدوا أنه جده أبو أبيه ووارثه ولم يسم الميت تقبل بدون ذكر اسم الميت وفي الأقضية شهدا بأنه جد الميت وقضي له به ثم جاء آخر وادعى أنه أبو الميت وبرهن فالثاني أحق بالميراث شهدا أنه أخو الميت وقضي له به ثم شهد هذان لآخر على أنه ابن الميت أيضا لا يبطل القضاء الأول بل يضمنان للثاني ما أخذ الأول من الميراث كذا في البزازية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهدا بيد حي منذ شهر ردت‏)‏ وعن أبي يوسف أنها تقبل لأن اليد مقصودة كالملك ولو شهدوا أنها ملكه تقبل فكذا هذا وصار كما لو شهدوا بالأخذ من المدعي ووجه الظاهر وهو قولهما أن الشهادة قامت بمجهول لأن اليد منقضية وهي متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان فتعذر القضاء بإعادة المجهول بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف وبخلاف الأخذ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد وقوله منذ شهر ليس بقيد فإن الخلاف ثابت فيما لم يذكره فإنه ذكر الإمام التمرتاشي لو شهدوا لحي أن العين كان في يده لم تقبل لأن اليد محتملة يد غصب أو يد ملك فإن كانت يد غصب عن ذي اليد لا تجب إعادته وإن كانت يد ملك تجب فلا تجب بالشك كذا في النهاية وجامع الفصولين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أقر المدعى عليه بذلك أو شهد شاهدان أنه أقر أنه كان في يد المدعي دفع إلى المدعي‏)‏ لأن الإقرار معلوم فتصح الشهادة به وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار وفي البزازية الأصل في باب الشهادة أن الشهادة بالملك المنقضي مقبولة لا باليد المنقضية لأن الملك لا يتنوع واليد تتنوع باحتمال أنه كان له فاشتراه منه ا هـ‏.‏ قيد بالإقرار باليد مقصودا لأنه لو أقر له بها ضمنا لم تدفع إليه كما سيأتي في الإقرار‏.‏ وإنما قال‏:‏ دفع إليه دون أن يقول‏:‏ إنه إقرار بالملك له لأنه لو برهن على أنه ملكه فإنه يقبل لما في جامع الفصولين أخذ عينا من يد آخر وقال‏:‏ إني أخذته من يده لأنه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل لأنه وإن كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج ولو أقر المدعى عليه إني أخذته من المدعي لأنه كان ملكي فلو كذبه المدعي في الأخذ منه لا يؤمر بالتسليم إلى المدعي لأنه رد إقراره وبرهن على ذي اليد ولو صدقه يؤمر بتسليمه إلى المدعي فيصير المدعي ذا يد فيحلف أو يبرهن الآخر ا هـ‏.‏ وقيد بكونه أقر أنه كان بيده لأنه لو أقر أنه كان بيد المدعي بغير حق ففيه اختلاف قيل‏:‏ هو إقرار له باليد وبه يفتى وقيل‏:‏ لا إلا أن يقر أنه كان بيده بحق كذا في جامع الفصولين وقيد بالإقرار بكونه في يد المدعي لأنه لو ادعى عقارا فأقر المدعى عليه أنه بيده لم تقبل حتى يبرهن المدعي أو يعلم القاضي بخلاف المنقول وسيأتي في الدعوى إن شاء الله تعالى والله أعلم‏.‏

باب الشهادة على الشهادة

لا يخفى حسن تأخير شهادة الفروع عن الأصول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ تقبل فيما لا يسقط بالشبهة‏)‏ أي يقبل أداء الفروع في حق لا تسقطه الشبهة استحسانا لشدة الحاجة إليها إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أداء الشهادة لبعض العوارض فلو لم تجز الشهادة على شهادته أدى إلى إتواء الحقوق ولهذا جوزنا الشهادة على الشهادة وإن كثرت إلا أن فيها شبهة من حيث البدلية أو من حيث إن فيها زيادة الاحتمال وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص أطلقه فشمل الوقف وهو الصحيح إحياء له وصونا عن اندراسه وشمل التقرير وهو مصرح به في الأجناس وقضاء القاضي وكتابه كما في الخانية وما في المبسوط من أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهدين أن قاضي بلدة كذا حد فلانا في قذف تقبل حتى ترد شهادة فلان لا يرد نقضا على قولنا لا تقبل في الحدود فإن المشهود به فعل القاضي وهو مما يثبت مع الشبهات والمراد بالشهادة بالحد الشهادة بوقوع أسبابها الموجبة لها مع أن في المحيط لا تقبل هذه الشهادة وشمل النسب كما في خزانة المفتين وفي القنية أشهد القاضي شهودا أني حكمت لفلان على فلان بكذا فهو إشهاد باطل لا عبرة به والحضور شرط ا هـ‏.‏ وفي يتيمة الدهر وكتبت إلى الحسن بن زياد إذا أشهد القاضي على قضائه الشاهدين اللذين شهدا في تلك الحادثة هل يصح إشهاده إياهما‏؟‏ فقال‏:‏ نعم لكنه ينفصل عن القبول في الحكم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إن شهد رجلان على شهادة شاهدين‏)‏ أي كل من الشاهدين فعلى كل أصل شاهدان سواء كانا هما أو غيرهما وقال الشافعي‏:‏ لا يجوز إلا الأربع على كل أصل اثنان لأن كل شاهدين قائمان مقام واحد فصارا كالمرأتين ولنا قول علي رضي الله عنه لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين ولأن نقل شهادة الأصل من الحقوق فهما لو شهدا بحق ثم شهدا بحق آخر فتقبل وقوله رجلان وقع اتفاقا لأنه يجوز أن يشهد عليها رجل وامرأتان لتمام النصاب وكذا لا يشترط أن يكون المشهود على شهادته رجلا لأن للمرأة أيضا أن تشهد على شهادتهما رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط أن يشهد على شهادة كل امرأة نصاب الشهادة كذا ذكر الشارح وقد توهم المقدسي في الحاوي أنه قيد احترازي فقال‏:‏ ولا تقبل شهادة النساء على الشهادة ا هـ‏.‏ وهو غلط أطلق الرجلين فشمل شهادة الابن على شهادة الأب فإنها جائزة وعلى قضائه لا يجوز كذا في الخلاصة وصحيح في خزانة المفتين وفي البزازية الجواز على قضائه أيضا وفي كافي الحاكم وإن شهد كافران على شهادة مسلمين لكافر على كافر بحق لم تجز وكذا لو شهد كافران على قضاء قاض لكافر أو لمسلم على كافر ولو شهد مسلمان على شهادة كافر جازت الشهادة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا شهادة واحد على شهادة واحد‏)‏ أي لا تقبل أطلق في الواحد الثاني فشمل المرأة لما قدمناه أنه لا بد من نصاب الشهادة على شهادتهما والمراد من الواحد الأول ما كان أقل من نصاب الشهادة فلذا قال في الخزانة‏:‏ ولو أن عشرة نسوة شهدن على شهادة واحد أو على شهادة امرأتين أو على شهادة امرأة لا يقبل الحاكم ذلك حتى يشهد معهن رجل ا هـ‏.‏ وأشار إلى أنه لو شهد النصاب على شهادة واحد لم يقض فلو شهد عشرة على شهادة واحد تقبل ولكن لا يقضى حتى يشهد شاهد آخر - - لأن الثابت بشهادتهم شهادة واحد كذا في الخزانة وفي البزازية معزيا إلى الأصل شهدا على رجل وأحدهما في شهادة فرع عن آخر ثم شهد هذا بعد نقل شهادة الأصل على شهادة نفسه لا تقبل لأدائه إلى أن يثبت بشهادة واحد ثلاثة أرباع الحق وأنه خلاف وضع الشهادة ولو شهد واحد على شهادة نفسه وآخران على شهادة غيره يصح ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والإشهاد أن يقول‏:‏ أشهد على شهادتي أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا‏)‏ لأن الفرع كالنائب عنه فلا بد من التحميل والتوكيل ولا بد أن يشهد عند القاضي لينقله إلى مجلس القاضي ولم يذكر المؤلف بعد قوله أقر عندي بكذا وأشهدني على نفسه لأنه ليس بشرط لأن من سمع إقرار غيره حل له الشهادة وإن لم يقل له اشهد كما قدمناه وإنما قالوا‏:‏ الفرع كالنائب ولم يجعلوه نائبا لما قدمناه من أن له أن يقضي بشهادة أصل وفرعين عن أصل آخر ولو كان الفرع نائبا حقيقة لما جاز الجمع بين الأصل والخلف كذا في النهاية وقد يقال‏:‏ إنه فرع عمن تعذر حضوره لا عن الأصل الحاضر فلا يضر الجمع لو جعل نائبا حقيقة إذ هو جمع بين أصل وفرع أصل آخر قيد بقوله له اشهد لأنه لو لم يقل له اشهد لم يسعه أن يشهد على شهادته وإن سمعها منه لما قدمناه وقيد بقوله على شهادتي لأنه لو قال‏:‏ أشهد علي بذلك لم تجز له الشهادة لأنه لفظ يحتمل لاحتمال أن يكون الإشهاد على نفس الحق المشهود به فيكون أمرا بالكذب وقيد بعلي لأنه لو قال‏:‏ بشهادتي لم تجز له لاحتمال أن يكون أمرا بأن يشهد مثل شهادته بالكذب وقيد بالشهادة على الشهادة لأن الشهادة بقضاء القاضي صحيح وإن لم يشهدهما القاضي عليه وذكر في الخلاصة اختلافا بين أبي حنيفة وأبي يوسف فيما إذا سمعاه في غير مجلس القضاء فجوزه أبو حنيفة وهو الأقيس ومنعه أبو يوسف وهو الأحوط ا هـ‏.‏ وأشار بعدم اشتراط قبوله إلى أن سكوت الفرع عند تحميله يكفي لكن لو قال‏:‏ لا أقبل قال في القنية‏:‏ ينبغي أن لا يصير شاهدا حتى لو شهد بعد ذلك لا تقبل ا هـ‏.‏ وفي الحاوي القدسي ولا ينبغي أن يشهد الشاهد على شهادة من ليس بعدل عنده ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأداء الفرع أن يقول‏:‏ أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عندي بكذا وقال لي‏:‏ اشهد على شهادتي بكذا‏)‏ لأنه لا بد من شهادته وذكره في شهادة الأصل وذكر التحميل وهو الأوسط وفيه خمس شينات ولها لفظ أطول من هذا فيه ثمان شينات وأقصر منه أربع شينات بذكر أمرني فلان أن أشهد بإسقاط أشهدني وأقصر من الكل ما فيه شينان بأن يقول‏:‏ أشهد على شهادة فلان بكذا ذكره محمد في السير الكبير وهو اختيار الفقيه أبي الليث وأبي جعفر وشمس الأئمة السرخسي وهو أسهل وأيسر وأقصر وروي أن أبا جعفر كان يخالفه فيه علماء عصره فأخرج لهم الرواية من السير فانقادوا إليه وقوله فلان تمثيل وإلا فلا بد من بيان شاهد الأصل لما في الصغرى شهود الفرع يجب أن يذكروا أسماء الأصول وأسماء آبائهم وأجدادهم حتى لو قالا‏:‏ نشهد أن رجلين نعرفهما أشهدانا على شهادتهما أنهما يشهدان بكذا وقالا‏:‏ لا نسميهما أو لا نعرف أسماءهما لم تقبل لأنهما تحملا مجازفة لا عن معرفة ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا شهادة للفرع إلا بموت أصله أو مرضه أو سفره‏)‏ لأن جوازها عند الحاجة وإنما تمس عند عجز الأصل وبهذه الأشياء يتحقق العجز به وإنما اعتبرنا السفر لأن العجز بعد المسافة ومدة السفر بعيدة حكما حتى أدير عليها عدة من الأحكام فكذا سبيل هذا الحكم وعن أبي يوسف إن كان في مكان لو غدا إلى أداء الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد إحياء لحقوق الناس قالوا‏:‏ الأول أحسن وهو ظاهر الرواية كما في الحاوي والثاني أرفق وبه أخذ الفقيه أبو الليث وكثير من المشايخ وقال فخر الإسلام‏:‏ إنه حسن وفي السراجية وعليه الفتوى وعن محمد إنه يجوز كيفما كان حتى روي عنه أنه إذا كان الأصل في زاوية المسجد فشهد الفرع على شهادته في زاوية أخرى من ذلك المسجد تقبل شهادتهم ودل كلام المصنف أن السلطان والأمير لا يجوز إشهادهما في البلد وهي في القنية وظاهر كلامه الحصر في الثلاثة وليس كذلك فقد صرح في القنية بأن الأصل إذا كانت امرأة مخدرة يجوز إشهادها على شهادتهما وهي التي لا تخالط الرجال ولو خرجت لقضاء حاجة أو للحمام‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي السراج الوهاج إذا كان شاهد الأصل محبوسا في المصر فأشهد على شهادته هل يجوز للفرع أن يشهد على شهادته وإذا شهد عند القاضي هل يحكم بها قال في الذخيرة‏:‏ اختلف فيه مشايخ زماننا قال‏:‏ بعضهم إن كان محبوسا في سجن هذا القاضي لا يجوز لأن القاضي يخرجه من سجنه حتى يشهد ثم يعيده إلى السجن وإن كان في سجن الوالي ولا يمكنه الخروج للشهادة يجوز ا هـ‏.‏ وأطلق في التهذيب جوازها بحبس الأصل وقيد شهادة الفرع أي عند القاضي لأن وقت التحمل لا يشترط له أن يكون بالأصول عذر لما في خزانة المفتين والإشهاد على شهادة نفسه يجوز وإن لم يكن بالأصول عذر حتى لو حل بهم العذر من مرض أو سفر أو موت يشهد الفروع ا هـ‏.‏

وأطلق في مرضه وقيد في الهداية بأن لا يستطيع الحضور إلى مجلس القاضي وفي شرح المجمع للمصنف المرض الذي لا يتعذر معه الحضور لا يكون عذرا‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر قوله أو سفره أنه يجوز بمجرد سفر الأصل بأن يجاوز بيوت مصره قاصدا ثلاثة أيام ولياليها وإن لم يسافر ثلاثا وظاهر كلام المشايخ أنه لا بد من غيبة الأصل ثلاثة أيام ولياليها كما أفصح به في الخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن عدلهم الفروع صح‏)‏ أي قبل تعديلهم لأنهم من أهله وفي الصغرى وهو ظاهر الرواية وهو الصحيح لأن الفرع نائب ناقل عبارة الأصل إلى مجلس القاضي فبالنقل ينتهي حكم النيابة فيصير أجنبيا فيصح تعديله‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد أن الفروع معروفون بالعدالة عند القاضي فعدلوا الأصول وإن لم يعرفهم بها فلا بد من تعديلهم وتعديل أصولهم وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن أحد الشاهدين لو عدل صاحبه وهو معروف بالعدالة عند القاضي فإنه يجوز لأن العدل لا يتهم بمثله واختاره في الهداية ونقل فيه قولين في النهاية‏.‏ والحاصل كما في الخانية أن القاضي إن عرف الأصول والفروع بالعدالة قضى بشهادتهم وإن عرف أحدهما دون الآخر سأل عمن لم يعرفه وإذا شهد الفروع على شهادة أصل فردت شهادته لفسق الأصل لا تقبل شهادة أحدهما بعد ذلك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلا عدلوا‏)‏ أي إن لم يعدلهم الفروع ولم يعرفهم القاضي بالعدالة سأل عنهم وهذا عند أبي يوسف وقال محمد‏:‏ لا تقبل لأنه لا شهادة إلا بالعدالة فإذا لم يعرفوها لم ينقلوا الشهادة فلا تقبل ولأبي يوسف أن الواجب عليهم النقل دون التعديل لأنه قد يخفى عليهم وإذا نقلوا يتعرف القاضي العدالة كما إذا حضروا بأنفسهم وشهدوا كذلك في الهداية والكافي وظاهره أنه يجوز للفرع التحمل والأداء وإن لم يعرف عدالة الأصل وفي خزانة المفتين الفرع إذا لم يعرف الأصل بعدالة ولا غيرها فهو مسيئ في الشهادة على شهادته بتركه الاحتياط‏.‏ ا هـ‏.‏ وقالوا الإساءة أفحش من الكراهة وقوله وإلا صادق بصور الأولى أن يسكتوا وهو المراد هنا كما أفصح به في الهداية الثانية أن يقول الفروع للقاضي بعد السؤال لا نخبرك فجعله في الخانية على الخلاف بين الشيخين فقولهما لا نخبرك بمنزلة قولهما لا نعرف الأصل أعدل أم لا وذكر الخصاف أن عدم القبول جواب ظاهر الرواية كما ذكره القاضي الإمام علي السغدي في شرح أدب القاضي وذكر الحلواني أن القاضي يقبل شهادتهما ويسأل عن الأصل وهو الصحيح لأن الأصل بقي مستورا ووجه المشهور أن قولهما لا نخبرك جرح للأصول واستشهد الخصاف فقال‏:‏ ألا ترى أنهما لو شهدا عند القاضي على شهادة رجل وقالا للقاضي‏:‏ إنا نتهمه في الشهادة فلم يقبل القاضي شهادتهما على شهادته فكذا إذا قال‏:‏ لا نخبرك ووجه رواية أبي يوسف أن هذا يحتمل أن يكون جرحا ويحتمل أن يكون توقفا فلا يثبت الجرح بالشك كذا في الفتاوى الصغرى الثالثة أن يقول الفرع للقاضي‏:‏ إنا نتهمه في الشهادة فإن القاضي لا يقبله كذا في الخانية وهو ما قدمناه من شاهد الخصاف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتبطل شهادة الفروع بإنكار الأصل الشهادة‏)‏ أي الإشهاد بأن قالوا‏:‏ لم نشهدهم على شهادتنا فماتوا وغابوا ثم شهد الفروع لم تقبل لأن التحميل لم يثبت للتعارض بين الخبرين وهو شرط قيد بالإنكار لأنهم لو سئلوا فسكتوا لم يبطل الإشهاد كذا في الخلاصة وفيها معزوا إلى الجامع الكبير إذا شهدا على شهادة رجلين أنه أعتق عبده ولم يقض بشهادتهما حتى حضر الأصلان ونهيا الفروع عن الشهادة صح النهي عند عامة المشايخ وقال بعضهم‏:‏ لا يصح والأول أظهر ا هـ‏.‏ وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن المروي عنه إذا أنكر الرواية بطلت كذا في الخلاصة وهي مسألة الأصول واستشكل في فتح القدير عمل المشايخ بالمسائل التي أنكرها أبو يوسف على محمد حين عرض عليه الجامع الصغير وقدمناه في الصلاة وذكرناه في شرح المنار وفي الخلاصة لو نهاه عن الرواية وسعه الرواية عنه ا هـ‏.‏ فعلى هذا يفرق بين الشهادة والرواية على قول العامة ومما يبطل الإشهاد خروج الأصل عن أهلية الشهادة لما في خزانة المفتين وإذا خرس الأصلان أو فسقا أو عميا وارتدا أو جنا لهم لم تجز شهادة الفروع ا هـ‏.‏ ومما يبطله أيضا حضور الأصل قبل القضاء قال في الخانية‏:‏ ولو أن فروعا شهدوا على شهادة الأصول ثم حضر الأصول قبل القضاء لا يقضى بشهادة الفروع ا هـ‏.‏ وظاهر قوله لا يقضى دون أن يقول‏:‏ بطل الإشهاد أن الأصول لو غابوا بعد ذلك قضي بشهادتهم وذكر في كتاب القاضي إلى القاضي إذا كتب للمدعي كتابا ثم حضر بلد المكتوب إليه قبل أن يقضي المكتوب إليه بكتابه لا يقضي بكتابه كما لو حضر شاهد الأصل ا هـ‏.‏ وفي اليتيمة سئل الخجندي عن قاض قضى لرجل بملك الأرض بشهادة الفروع ثم جاء الأصول هل يبطل الفروع‏؟‏ فقال‏:‏ هذا مختلف بين أصحابنا فمن قال‏:‏ إن القضاء يقع بشهادة الأصول يبطل ومن قال‏:‏ القضاء يقع بشهادة الفروع لا يبطل ا هـ‏.‏ وهذا الاختلاف عجيب فإن القضاء كيف يبطل بحضورهم فالظاهر عدمه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شهدا على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان الفلانية بألف وقالا‏:‏ أخبرانا أنهما يعرفانها فجاء بامرأة فقالا لا ندري أهي هذه أم لا‏؟‏ قيل للمدعي‏:‏ هات شاهدين أنها فلانة‏)‏ لأن الشهادة على المعرفة بالنسبة قد تحققت والمدعي يدعي الحق على الحاضرة فلعلها غيرها فلا بد من تعريفها بتلك النسبة نظير هذا إذا تحملوا الشهادة ببيع محدود بذكر حدودها وشهدوا على المشتري لا بد من آخرين يشهدان على أن المحدود بها في يد المدعى عليه وكذا إن أنكر المدعى عليه أن الحدود المذكورة في الشهادة حدود ما في يديه وأشار المؤلف رحمه الله تعالى بقوله على فلانة إلى آخره إلى أنه يشترط في الإشهاد الإعلام بأقصى ما يمكن ولذا قال في الخانية رجل أشهد رجلا على شهادته فإن كان الذي له المال والذي عليه المال حاضرين عند الإشهاد بقوله أشهد أن فلان بن فلان هذا أقر عندي أن لفلان بن فلان هذا عليه ألف درهم كان الإشهاد صحيحا وإن كانا غائبين أو أحدهما حاضر والآخر غائب أو ميت ينبغي له أن ينسب الغائب منهما أو الميت منهما إلى أبيه وجده وقبيلته وما يعرف به لأن مجلس الإشهاد بمنزلة مجلس القضاء فكما يشترط في أداء الشهادة الإعلام بأقصى الإمكان يشترط في الإشهاد ا هـ‏.‏ وفي البزازية وفي طلاق شيخ الإسلام أقر أن عليه لفلان ابن فلان الفلاني كذا فجاء رجل بهذا الاسم وادعاه وقال‏:‏ أردت به رجلا آخر مسمى بذلك صدق قضاء ولا يقضى عليه بالمال ا هـ‏.‏ وفي وصايا الخانية قال المريض لرجل‏:‏ علي ألف درهم يعطى المال كله للورثة ولا يوقف شيء ولو قال لمحمد‏:‏ علي ألف درهم دين ولا يعرف محمد يوقف مقدار الدين ا هـ‏.‏ وفي المصباح فلان وفلانة بدون ألف ولام كناية عن الأناسي وبهما كناية عن البهائم يقال‏:‏ ركبت الفلانة وحلبت الفلانة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكذا كتاب القاضي إلى القاضي‏)‏ لأنه في معنى الشهادة على الشهادة إلا أن القاضي لكمال ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى جواب المدعى عليه ولا بد منه فإنه إن قال‏:‏ لست أنا فلان بن فلان الفلاني كان البيان على المدعي وأنه أقر أنه فلان بن فلان وادعى الاشتراك في الاسم والنسب كان البيان على المدعى عليه‏.‏ ولذا قال في الخانية القاضي إذا كتب كتابا وكتب في كتابه اسم المدعى عليه ونسبه على وجه الكمال فقال‏:‏ المدعى عليه‏:‏ لست أنا فلان بن فلان الفلاني والقاضي المكتوب إليه لا يعرفه يقول القاضي للمدعي‏:‏ أقم البينة أنه فلان بن فلان فإن قال المدعى عليه‏:‏ أنا فلان بن فلان بن فلان وفي هذا الحي أو الفخذ أو في هذه الحارة أو في هذه البلدة رجل غيري بهذا الاسم يقول له القاضي أثبت ذلك تندفع عنه الخصومة كما لو علم القاضي بمشارك له في الاسم والنسب لأن حال وجود الشريك في الاسم والنسب لا يتعين هو للكتاب وإن لم يثبت ذلك يكون خصما وإن أقام المدعي البينة أنه كان باسمه ونسبه رجل آخر ومات ذلك لا يقبل قوله لأنه لا حق له في إثبات حياة ذلك الميت وإن كان يعلم ما قاله‏:‏ المدعى عليه فإن كان يعلم بموت ذلك الرجل بعد تاريخ الكتاب لا يقبل كتاب القاضي وإن كان قبل ذلك وكذا لو كان لا يدري وقت موت ذلك الرجل ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قالا فيهما التميمية لم يجز حتى ينسباها إلى فخذها‏)‏ لأن التعريف لا يحصل بالنسبة العامة وهي عامة إلى بني تميم لأنهم قوم لا يحصون ويحصل بالنسبة إلى الفخذ لأنها خاصة وفسر في الهداية الفخذ بالقبيلة الخاصة وفي الشرح بالجد الأعلى وفي المصباح الفخذ بالكسر وبالسكون للتخفيف دون القبيلة وفوق البطن وقيل‏:‏ دون البطن وفوق الفصيلة وهو مذكر لأنه بمعنى النفر والفخذ من الأعضاء مؤنثة والجمع فيها أفخاذ ا هـ‏.‏ وفي المصباح الفخذ آخر القبائل أولها الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ وقال في غيره‏:‏ الفصيلة بعد الفخذ فالشعب بفتح الشين يجمع القبائل والقبائل تجمع العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون والبطن يجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل وفي القاموس الفخذ ككتف ما بين الورك والساق وحي الرجل إذا كان من أقرب عشيرتها ا هـ‏.‏ وذكر الزمخشري أن العرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة فمضر شعب وكذا ربيعة ومذحج وحمير وسميت شعوبا لأن القبائل تتشعب منها وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة فعلى هذا لا يجوز الاكتفاء بالفخذ ما لم ينسبها إلى الفصيلة لأنها دونها ولذا قال‏:‏ الله تعالى‏:‏ ‏{‏وفصيلته التي تؤويه‏}‏ ومنهم من ذكر بعد الفصيلة العشيرة وتمامه في فصل الكفاءة من النكاح‏.‏ والحاصل أن التعريف بالإشارة إلى الحاضر وفي الغائب لا بد من ذكر الاسم والنسب والنسبة إلى الأب لا تكفي عند الإمام ومحمد ولا بد من ذكر الجد خلافا للثاني فإن لم ينسب إلى الجد ونسبه إلى الفخذ الأب الأعلى كتميمي وبخاري لا يكفي وإن إلى الحرفة - لا إلى القبيلة والجد لا يكفي عند الإمام وعندهما إن كان معروفا بالصناعة يكفي وإن نسبها إلى زوجها يكفي والمقصود الإعلام ولو كتب إلى فلان بن فلان الفلاني على فلان السندي عبد فلان بن فلان الفلاني كفى اتفاقا لأنه ذكر تمام التعريف ولو ذكر اسم المولى واسم أبيه لا غير ذكر السرخسي أنه لا يكفي وذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه يفتى لحصول التعريف بذكر ثلاثة العبد والمولى وأبوه وإن ذكر اسم العبد والمولى إن نسب إلى قبيلة الخاص لا يكفي على ما ذكره السرخسي ويكفي على ما ذكره شيخ الإسلام لوجوه ثلاثة وإن لم يذكر قبيلته الخاص لا يكفي وإن ذكر اسم العبد ومولاه ونسب العبد إلى مولاه ذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه أفتى الصدر لأنه وجد ثلاثة أشياء وشرط الحاكم في المختصر للتعريف ثلاثة أشياء الاسم والنسبة إلى الأب والنسبة إلى الجد أو الفخذ أو الصناعة‏.‏ والصحيح أن النسبة إلى الجد لا بد منه وإن كان معروفا بالاسم المجرد مشهورا كشهرة الإمام أبي حنيفة يكفي ولا حاجة إلى ذكر الأب والجد وفي الدار كدار الخلافة وإن مشهورة لا بد من ذكر الحدود عنده وعندهما هي كالرجل ولو كنى بلا تسمية لم تقبل إلا إذا كان مشهورا كالإمام ولو كتب من ابن فلان إلى فلان لم يجز إلا إن اشتهر كابن أبي ليلى ولو كتب إلى أبي فلان لم يجز لأن الجزء ينسب إلى الكل لا العكس كذا في البزازية ثم قال‏:‏ ويشترط نظر وجهها في التعريف وإن أراد ذكر حليتها يترك موضع الحلية حتى يكون القاضي هو الذي يكتب الحلية أو يملي الكاتب لأنه إن حلاها الكاتب لا يجد القاضي بدا من أن ينظر إليها فيكون فيه نظر رجلين وفيما ذكرنا نظر رجل واحد فكان أولى وهل يشترط شهادة الزائد على عدلين في أنها فلانة بنت فلان أم لا قال الإمام‏:‏ لا بد من شهادة جماعة على أنها فلانة بنت فلان وقالا‏:‏ شهادة عدلين تكفي وعليه الفتوى لأنه أيسر ا هـ‏.‏ وهو ظاهر إلا قوله إن النسبة إلى الفخذ لا تكفي عن الجد ففي الهداية ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف على ظاهر الرواية فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه اسم الجد الأعلى فنزل منزلة الجد الأدنى‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا تمثيله في البزازية للفخذ بتميمي غير صحيح لما علمته آنفا وفي خزانة المفتين ولو ذكر لقبه واسمه واسم أبيه قيل‏:‏ يكفي والصحيح أنه لا يكفي فإذا قضى قاض بدون ذكر الجد ينفذ وفي فتاوى قاضي خان وإن حصل التعريف باسمه واسم أبيه ولقبه لا يحتاج إلى ذكر الجد وإن كان لا يحصل إلا بذكر الجد لا يكفي والمدينة والقرية والكورة ليست بسبب للتعريف ولا تقع المعرفة بالإضافة إليها وإن دامت فإذا كان الرجل يعرف باسمه واسم أبيه وجده لا يحتاج إلى اللقب وإن كان لا يحصل إلا بذكر اللقب بأن كان يشاركه في المصر غيره في ذلك الاسم واللقب كما في أحمد بن محمد بن عمر فهذا لا يقع التعريف به لأن في ذلك المصر يشاركه غيره فالحاصل أن المعتبر إنما هو حاصل المعرفة وارتفاع الاشتراك ا هـ‏.‏ وفي إيضاح الإصلاح وفي العجم ذكر الصناعة بمنزلة الفخذ لأنهم ضيعوا أنسابهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن أقر أنه شهد زورا يشهر ولا يعزر‏)‏ أي لا يضرب وقالا يضرب ويحبس لأن عمر رضي الله تعالى عنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد وليس فيها حد مقدر فيعزر وله أن شريحا كان يشهره ولا يضربه ولأن الانزجار يحصل بالتشهير فيكتفى به والضرب وإن كان مبالغة في الزجر ولكنه يقع مانعا عن الرجوع فوجب التخفيف نظرا إلى هذا الوجه وحديث عمر رضي الله عنه محمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم وفي السراجية الفتوى على قوله ورجح في فتح القدير قولهما وقال‏:‏ إنه الحق أطلق من أقر فشمل الرجل والمرأة قال‏:‏ في كافي الحاكم والرجال -‏.‏ والنساء في شهادة الزور سواء وقيد بإقراره لأنه لا يحكم به إلا بإقراره وزاد شيخ الإسلام أن يشهد بموت واحد فيجيء حيا كذا في فتح القدير وظاهر أنه يشهر أيضا فيه وخرج ما إذا ردت شهادته لتهمته أو لمخالفته بين الشهادة والدعوى أو بين شهادتين فإنه لا يعزر لأنا ندري من هو الكاذب منهم المشهود له أو الشاهدان أو أحدهما وقد يكذب المدعي لينسب الشاهد إلى الكذب ولا يمكن إثباته بالبينة لأنه من باب النفي والبينة حجة الإثبات في إقراره على نفسه فيقبل إقراره ويجب عليه موجبه من الضمان أو التعزير ذكره الشارح وبه علم أنه لا يمكن إثبات الزور بالبينة وفي كافي الحاكم ومن التهاتر أن يشهدا أن هذا الشيء لم يكن لفلان فهذا مما لا يقبل وكذا لو شهدا أنه لم يكن لفلان على فلان دين ومن شهد أن هذا لم يكن فقد شهد بالباطل والحاكم يعلم أنه كاذب‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أنه من قبيل الزور فيعزر فعلى هذا يعزر بإقراره أو بتيقن كذبه وإنما لم يذكره المؤلف إما لندرته وإما لأنه لا محيص له أن يقول كذبت أو ظننت ذلك أو سمعت ذلك فشهدت وهما بمعنى كذبت لإقراره بالشهادة بغير علم فجعل كأنه قال‏:‏ ذلك كذا في البناية وجعل في إيضاح الإصلاح نظير مسألة ظهوره حيا بعد الشهادة بموته أو قتله ما إذا شهدوا برؤية الهلال فمضى ثلاثون يوما وليس في السماء علة ولم يروا الهلال‏.‏ والزور في اللغة الكذب كما في المصباح وفي القاموس الزور بالضم الكذب والشرك بالله تعالى وأعياد اليهود والنصارى والرئيس ومجلس الغناء وما يعبد من دون الله تعالى والقوة وهذه وفاق بين لغة العرب والفرس ونهر يصب في دجلة والرأي والعقل والباطل إلى آخره وذكر القاضي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين لا يشهدون الزور‏}‏ لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه ا هـ‏.‏ وعند الفقهاء الشهادة الباطلة عمدا وفي فتح القدير ولو قال‏:‏ غلطت أو ظننت ذلك قيل‏:‏ هما بمعنى كذبت لإقراره بالشهادة بغير علم ا هـ‏.‏ ويخالفه ما ذكره الشارح فإنه جعلهما كنسيت فلا تعزير وهو الظاهر والتشهير في اللغة من شهره بالتشديد رفعه على الناس كما في القاموس أو أبرزه كما في المصباح وعند الفقهاء كما في الهداية ما نقل عن شريح أنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا أو يقول‏:‏ إن شريحا يقرئكم السلام ويقول‏:‏ إنا وجدنا هذا شاهد الزور فاحذروه وحذروه الناس ا هـ‏.‏ وبعثه مع أعوانه أعم من أن يكون ماشيا أو راكبا ولو على بقرة كما يفعل الآن وأما التسخيم فقال في المصباح السخام وزان غراب سواد القدر وسخم الرجل وجهه سوده بالسخام وسخم الله وجهه كناية عن المقت والغضب ا هـ‏.‏ وقدمنا في دليلهما أن عمر رضي الله عنه سخم وجهه وأن الإمام حمله على السياسة وهو تأويل شمس الأئمة وأوله شيخ الإسلام بالتخجيل بالتفضيح والتشهير فإن الخجل يسمى سوادا مجازا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا‏}‏ كذا في البناية وظاهر كلامهم أن للقاضي أن يسخم وجهه إذا رآه سياسة وفي فتح القدير معزيا إلى المغني ولا يسخم وجهه بالخاء والحاء وإنما فسر قوله لا يعزر بلا يضرب لأن التشهير تعزير‏.‏ والحاصل الاتفاق على تعزيره غير أنه اكتفى بتشهير حاله في الأسواق وقد يكون ذلك أشد من ضربه خفية وهما أضافا إلى ذلك الضرب كما في فتح القدير وأطلق في تشهيره فشمل الأحوال كلها وقيده الإمام الحاكم أبو محمد الكاتب بأن لا يعلم رجوعه بأي سبب كان فهو على الاختلاف أما إن رجع تائبا نادما لم يعزر إجماعا وإن رجع مصرا على ما كان فإنه يعزر إجماعا أي يضرب وذكر شمس الأئمة أن التشهير قولهما أيضا فهما يقولان بالتشهير والضرب والحبس والكل مفوض إلى رأي القاضي واختلفوا في قبول شهادته إذا تاب قالوا‏:‏ إن كان فاسقا تقبل لأن الحامل له عليها فسقه فإن تاب وظهر صلاحه تقبل لزوال الفسق وإن كان عدلا أو مستورا لا تقبل أبدا وعن أبي يوسف قبولها وبه يفتى واختلفوا في مقدار مدة توبته والصحيح التفويض إلى رأي القاضي ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏